قانون الجذب بين الحقيقة والوهم: رؤية شرعية ونقد علمي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين. في عصرنا الحالي، انتشرت العديد من المفاهي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
في عصرنا الحالي، انتشرت العديد من المفاهيم والممارسات المستوردة من ثقافات وفلسفات غير إسلامية، من أشهرها ما يُسمى بـ"قانون الجذب". يروج أنصاره لفكرة أن الإنسان قادر على "جذب" ما يريد إلى حياته بمجرد التفكير الإيجابي أو تكرار عبارات معينة أو إرسال "ذبذبات" للكون، دون الحاجة إلى سعي أو عمل حقيقي. في هذا المقال، سنناقش هذا المفهوم من منظور شرعي وعقلي، ونوضح أسباب مخالفته للعقيدة الإسلامية، مع الرد على أشهر الشبهات التي يُستدل بها لتأييده.
أولاً: ما هو قانون الجذب؟
يُعرّف قانون الجذب بأنه الاعتقاد بأن الأفكار الإيجابية تجذب الأحداث الإيجابية، والأفكار السلبية تجذب الأحداث السلبية. ويُنصح معتنقوه بتكرار عبارات تحفيزية (توكيدات) بصيغة المضارع، والامتناع عن النفي، لأنهم يزعمون أن "الكون" لا يفهم النفي، وأن العقل الباطن هو الذي يحقق للإنسان ما يريد إذا أطلق هذه الأفكار بقوة ويقين.
ثانياً: المخالفات الشرعية في قانون الجذب
عند النظر في قانون الجذب من زاوية العقيدة الإسلامية، نجد أنه يتعارض مع أصول الإيمان وأركانه، وأهمها:
- التوكل على الله: قانون الجذب يدعو للاعتماد على النفس أو الكون، بينما التوكل في الإسلام هو الاعتماد على الله مع بذل الأسباب المشروعة.
- الإيمان بالقضاء والقدر: يزعم أن الإنسان يصنع قدره بنفسه، وهذا يناقض الإيمان بأن كل شيء بقضاء الله وقدره.
- عبادة الدعاء: الدعاء في الإسلام عبادة عظيمة، أما في قانون الجذب فيُستبدل بإرسال "طلبات" للكون أو تكرار عبارات بلا توجه إلى الله.
- إلغاء السعي والعمل: يروج القانون لفكرة أن مجرد التفكير أو التمني كافٍ لتحقيق الأهداف، بينما يحث الإسلام على السعي والعمل والاجتهاد.
ثالثاً: نقد قانون الجذب بالعقل والمنطق
العقل السليم يرفض أن تتحقق الأهداف دون عمل أو سعي. فلو أراد الإنسان إنقاص وزنه مثلًا، هل يكفي أن يتخيل نفسه نحيفًا أو يردد عبارات أمام المرآة دون أن يغير عاداته الغذائية أو يمارس الرياضة؟! إن هذه الأفكار تروج للكسل والوهم، وقد تضر الإنسان في دينه ودنياه.
رابعاً: التوكيدات والتحفيز الذاتي
قد يظن البعض أن تكرار العبارات الإيجابية (التوكيدات) مجرد تحفيز للنفس. لكن الخطر يكمن في الاعتقاد بأن هذه العبارات تملك قوة ذاتية خارقة، أو أن تكرارها يجلب الأحداث من الكون، وهذا فيه شبهة شركية إذا اعتقد الإنسان أن غير الله يملك التصرف في الكون. أما التحفيز المشروع فهو تحديد الأهداف، والدعاء لله، وبذل الجهد، مع الاستعانة بالله وحده.
خامساً: الرد على أشهر الشبهات والأدلة المزعومة
هذه العبارة ليست حديثًا نبويًا، بل مجرد قول شائع. أما التفاؤل في الإسلام فهو حسن الظن بالله مع السعي والعمل، وليس مجرد تمني أو تكرار عبارات.
هذا الحديث صحيح، لكنه مقرون بالعمل الصالح. قال الحسن البصري: "ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل". فحسن الظن بالله يعني العمل الصالح مع الرجاء في رحمة الله، وليس مجرد التمني أو إطلاق الأفكار.
يفسرها أهل العلم بأن كل خير من فضل الله، وكل شر بسبب تقصير الإنسان أو ذنوبه، وليس بمعنى أن الإنسان يجذب الشر أو الخير بمجرد التفكير.
الحديث يبين أن قبول العمل عند الله متوقف على النية الصالحة، وليس أن النية وحدها تحقق النتائج الدنيوية بلا عمل.
هذه الآية تدل على أدب إبراهيم عليه السلام مع الله، حيث نسب المرض إلى نفسه والشفاء إلى الله، ولا علاقة لها بقانون الجذب.
ادعى بعضهم أن يعقوب جذب الشر لنفسه بقوله "فصبر جميل"، وأنه لم يرجع له يوسف إلا عندما غير عبارته. وهذا جهل عظيم، فأنبياء الله لا يقولون إلا الحق، وما حصل لهم كان بقضاء الله وقدره، مع بذلهم الأسباب والدعاء، وليس بتكرار عبارات أو قانون جذب.
سادساً: القدوة الحقيقية في التغيير
لو كان قانون الجذب صحيحًا، لكان أولى الناس به هم الأنبياء والصحابة. انظروا إلى سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كيف تحول من رجل شديد إلى قائد عظيم، بقوة إيمانه واتباعه للحق، وليس بتكرار توكيدات أو ممارسة تمارين طاقة. وكذلك أبو بكر رضي الله عنه، حين كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار، لم ينجُ بالتفكير الإيجابي، بل بالتوكل على الله والأخذ بالأسباب.
سابعاً: كيف نحقق الطموح والتغيير الحقيقي؟
الإسلام لا يمنع الطموح، بل يحث عليه، لكن بشرط أن يكون مقرونًا بالإيمان بالله، والدعاء، والعمل الجاد، والصبر على النتائج. يقول الله تعالى:
"وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" (النجم: 39).
فالمطلوب هو تحديد الهدف، الاستعانة بالله، بذل الجهد، الصبر على النتائج، والرضا بقضاء الله وقدره.
خلاصة ونصيحة
قانون الجذب كما يُروج له اليوم، ليس له أصل في الإسلام، بل يتعارض مع أصول العقيدة والشريعة. الواجب على المسلم أن يعود إلى كتاب الله وسنة نبيه، ويقتدي بسير الأنبياء والصحابة، في الجمع بين حسن الظن بالله، والدعاء، والعمل، والتوكل، والصبر.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني".
اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.
ختامًا:
احرص على أن يكون طموحك وتغييرك مبنيًا على أسس شرعية وعملية، لا على أوهام وخرافات. واستعن بالله، واسعَ، وادعُ، وتوكل، وارضَ بما قسم الله لك، تكن أسعد الناس.
والله ولي التوفيق.
https://www.youtube.com/watch?v=msvTR8ycLxM