رحلة داخل عالم دورات الطاقة والتنمية الذاتية: تجربة واقعية وتحذيرات هامة
في السنوات الأخيرة، انتشرت بشكل واسع دورات الطاقة والتنمية الذاتية على وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبحت تستقطب آلاف المتابعين، خاصة من يبحثون عن حلول ل
في السنوات الأخيرة، انتشرت بشكل واسع دورات الطاقة والتنمية الذاتية على وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبحت تستقطب آلاف المتابعين، خاصة من يبحثون عن حلول لمشاكلهم النفسية أو من يمرون بفترات صعبة في حياتهم. في هذا المقال، سنعرض تجربة شخصية واقعية لإحدى المتابعات التي خاضت غمار هذه الدورات لسنوات، لنكشف عن خفايا هذا العالم، ونناقش الأضرار النفسية والدينية والاجتماعية التي قد تنتج عنه، مع تقديم نصائح هامة للراغبين في تطوير ذواتهم.
البداية: بحث عن النور وسط الظلام
تروي صاحبة التجربة أنها بدأت رحلتها مع نهاية عام 2019، في فترة كانت تمر فيها بظروف صعبة على جميع الأصعدة. وجدت في مقاطع اليوتيوب ودورات المدربات المشهورات في مجال الطاقة والتنمية الذاتية وعوداً براقة بتغيير الحياة، التخلص من الخوف، تحقيق السعادة، وجذب الوفرة والثراء. اشتركت في أكثر من 40 دورة تدريبية، بعضها مدفوع وبعضها مجاني، على أمل أن تجد الحلول السحرية لمشكلاتها.
محتوى الدورات: وعود براقة وتناقضات صادمة
تتحدث عن تفاصيل الدورات التي حضرتها، والتي تضمنت تمارين مثل "ديتوكس المشاعر"، "قطع الحبال الأثيرية"، "الاستلقاء والاسترخاء"، و"الاتصال بالأبعاد الأخرى". في البداية، كانت تشعر بتحسن مؤقت، لكن سرعان ما دخلت في دوامة من الفراغ العاطفي، الغضب، الحزن، والابتعاد عن الدين. لاحظت أن كثيراً من التمارين تركز على "الهدم" و"كسر السلاسل القديمة"، وتدعو المتدرب إلى التخلي عن القيم والمعتقدات الدينية والاجتماعية، بحجة التحرر الذاتي.
من التناقضات التي رصدتها، أن المدربة نفسها كانت تروج لدورات "التخلص من الخوف"، بينما تعترف في لقاءات أخرى بأنها تعاني من مخاوف عميقة لم تتخلص منها منذ الطفولة، مثل الخوف من قيادة السيارة أو عبور الشارع. كما لاحظت أن كثيراً من الدورات تروج لفكرة أن الإنسان هو من يصنع قدره بشكل مطلق، وأنه مسؤول عن كل ما يحدث له، متجاهلة مفهوم القضاء والقدر في الدين الإسلامي.
الأثر النفسي والاجتماعي: من التغيير الإيجابي إلى الانهيار
بعد سنوات من حضور الدورات، اكتشفت صاحبة التجربة أن حياتها لم تتحسن كما كانت تتوقع، بل ازدادت سوءاً. فقدت شغفها بالحياة، ابتعدت عن الصلاة والعبادات، وأصبحت أكثر غضباً وانعزالاً وانغلاقاً على نفسها. تقول: "كنت أظن أنني سأصبح أكثر قوة وسعادة، لكنني أصبحت أنانية، لا أشعر بالآخرين، وابتعدت عن ديني وقيمي".
كما ظهرت عليها أعراض جسدية ونفسية غريبة، مثل الأرق، الكوابيس، رسم رموز غريبة بشكل لا إرادي، والشعور الدائم بالفراغ. وتشير إلى أن المدربات يربطن كل عارض سلبي يمر به المتدرب بأنه "طبقة جديدة من المشاعر يجب تنظيفها"، مما يدخل المتدرب في حلقة لا تنتهي من الدورات والتمارين دون أي نتائج حقيقية.
الشبهات الدينية والعلمية: تحريف المفاهيم وغسل العقول
من أخطر ما لاحظته صاحبة التجربة هو التلاعب بالمفاهيم الدينية والعلمية. فالكثير من الدورات تروج لأفكار مثل "الاتصال بالأرواح والأبعاد الأخرى"، "تجلي الأماني"، و"صناعة القدر"، وتدعو إلى التخلي عن الصلاة والشعور بالذنب، بحجة أن هذه المشاعر تعيق الجذب والطاقة الإيجابية. كما يتم استغلال الرموز والأرقام والألوان بشكل مبالغ فيه، وربطها بالحظ والنجاح.
وتحذر من أن هذه الدورات قد تؤدي بالبعض إلى الإلحاد الروحي، حيث يبدأ الشخص في الاعتقاد بأن الله موجود في كل شيء، أو أن الكون هو من يدير الأمور، ويبتعد تدريجياً عن العقيدة الصحيحة.
الجانب التجاري: صناعة الأوهام وجني الأرباح
تشير النقاشات إلى أن هدف معظم المدربين والمدربات هو الربح المادي بالدرجة الأولى. يتم تسويق الدورات بأساليب جذابة، وتغيير أسمائها ومحتواها باستمرار لإثارة الفضول، كما يتم الضغط على المتابعين للشراء السريع بحجة أن "الفرصة لن تتكرر". وفي كثير من الأحيان، يتم عرض الدورات مجاناً أو بتخفيضات كبيرة بعد أن يكون المتدرب قد دفع مبالغ طائلة، مما يخلق شعوراً بالاستغلال والخداع.
استهداف المراهقين والشباب: خطر مضاعف
من الملاحظ أن هذه الدورات أصبحت تستهدف بشكل خاص المراهقين والشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مستغلة حبهم لعوالم الخيال والأفلام الخارقة مثل "أفاتار" و"هاري بوتر"، وتوهمهم بإمكانية الدخول في عوالم أخرى أو اكتساب قوى خارقة من خلال التأمل والتمارين الطاقية. وقد يؤدي هذا إلى مشاكل نفسية خطيرة، مثل إيذاء النفس أو الانعزال عن الواقع.
نصائح هامة للراغبين في تطوير الذات
- ابحث عن المصادر الموثوقة: لا تثق بأي دورة أو مدرب دون التحقق من خلفيته العلمية والدينية، وابتعد عن الدورات التي تروج للأفكار الغيبية أو تتعارض مع قيمك الدينية.
- استشر المختصين: إذا كنت تعاني من مشاكل نفسية أو اجتماعية، توجه إلى الأطباء النفسيين أو المستشارين المعتمدين، ولا تعتمد على حلول سحرية أو تمارين غير مثبتة علمياً.
- حافظ على صلاتك وقيمك: لا تسمح لأي شخص أن يشككك في دينك أو يدعوك للتخلي عن عباداتك بحجة التحرر أو التطوير الذاتي.
- احذر من الاستغلال المالي: لا تدفع مبالغ كبيرة في دورات غير مضمونة النتائج، وكن واعياً لأساليب التسويق المضللة.
- شارك تجربتك: إذا مررت بتجربة سلبية مع هذه الدورات، شارك قصتك مع الآخرين لتحذيرهم ونشر الوعي.
الخلاصة
عالم دورات الطاقة والتنمية الذاتية مليء بالأوهام والتناقضات، وقد يؤدي بالإنسان إلى ضياع نفسي وديني واجتماعي، بدلاً من تحقيق التغيير الإيجابي المنشود. لا يوجد طريق مختصر للسعادة والنجاح، بل هو جهد مستمر وتوكل على الله، والتزام بالقيم والأخلاق، واللجوء إلى المصادر الموثوقة في تطوير الذات.
احرص دائماً على أن يكون تطويرك لذاتك مبنياً على أسس صحيحة، وكن واعياً لأي دعوات براقة قد تجرّك إلى متاهات لا نهاية لها.
https://www.youtube.com/watch?v=T4TNqEZTANo