اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

رحلة في نقد علوم الطاقة والتنمية البشرية: بين التجربة والوعي الديني

في السنوات الأخيرة، شهد العالم العربي انتشاراً واسعاً لما يُعرف بـ"علوم الطاقة" و"التنمية البشرية"، حيث اجتذبت هذه المجالات الكثير من الباحثين عن التح

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
7 دقائق

في السنوات الأخيرة، شهد العالم العربي انتشاراً واسعاً لما يُعرف بـ"علوم الطاقة" و"التنمية البشرية"، حيث اجتذبت هذه المجالات الكثير من الباحثين عن التحسين الذاتي والتشافي الروحي. لكن مع هذا الانتشار، ظهرت أصوات ناقدة تحذر من الجذور الفلسفية لهذه العلوم، وعلاقتها بالفكر الباطني، بل وتربطها أحياناً بمخاطر عقدية وسلوكية. في هذا المقال، نستعرض أبرز الأفكار التي طُرحت في نقاش موسع بين مجموعة من المهتمين والباحثين السابقين في هذه المجالات، ونحاول تقديم رؤية نقدية متوازنة تساعد القارئ على الفهم والحذر.

البدايات: من التوحيد إلى الفلسفات الباطنية

يبدأ النقاش من تأكيد أن الإنسان بطبيعته يميل إلى الطريق المستقيم، لكن مع مرور الزمن ظهرت انحرافات فكرية ودينية، بدأت أولاً بعبادة الأصنام والشرك بالله، ثم دخلت الفلسفات الباطنية القديمة مثل الغنوصية، التي انتشرت في الحضارات الشرقية كالهندوسية والطاوية، وحتى في الفراعنة والهرمسية. هذه الفلسفات، بحسب المشاركين في الحوار، دخلت بشكل متوازٍ مع الأديان السماوية، وبدأت تروج لعقيدة "وحدة الوجود"، أي أن الله والكون شيء واحد أو أن العالم جزء من الإله.

مع مرور الوقت، تأثرت الديانات السماوية بهذه الفلسفات، فدخلت الغنوصية إلى المسيحية، وظهرت فرق باطنية في العالم الإسلامي مثل إخوان الصفا والجهمية والحشاشين، كما تصدى لها علماء كبار مثل ابن تيمية. لاحقاً، ظهرت مدارس التصوف الباطني التي تبنّت عقيدة وحدة الوجود، مثل ابن عربي وجلال الدين الرومي والحلاج.

من الجمعيات السرية إلى العصر الحديث

مع الثورة الفرنسية، بدأ فصل الدين عن الدولة، وانتشرت العلمانية والإلحاد المادي باسم العلم والثقافة. لكن، وبسبب حاجة الإنسان الفطرية للروحانيات، ظهرت حركات جديدة كردة فعل، مثل الثيوصوفيا وحركة العصر الجديد (New Age)، وجمعيات استحضار الأرواح. دخلت هذه الحركات إلى أوروبا وأمريكا عبر شخصيات مثل سوامي فيفكاناندا، الذي نشر اليوغا والعلوم الباطنية والهندوسية وعقيدة وحدة الأديان.

الهدف، بحسب النقاش، هو إبعاد الإنسان عن الوحي الإلهي، ما يجعل السيطرة عليه أسهل، وتحويل المجتمعات المتماسكة إلى أفراد منفصلين، كل منهم يبحث عن ذاته وحريته الشخصية. هنا، دخلت علوم الطاقة والتنمية البشرية، التي تعتمد على مفاهيم مثل "تأثير البلاسيبو" (الوهم)، وبرمجة العقل الباطن، وأحياناً الاستعانة بقوى غير مرئية كالجِن والشياطين، حسب رأي بعض المشاركين.

التجربة الشخصية: من الانبهار إلى التوبة

شارك العديد من المتحدثين تجاربهم الشخصية مع علوم الطاقة والتنمية البشرية. تحدثت إحدى المشاركات عن دراستها لهذه العلوم لمدة 12 سنة في فرنسا، وكيف كانت تشعر بسعادة غامرة عندما ترى نتائج إيجابية على من تعالجهم، مستخدمة تقنيات مثل التنويم المغناطيسي وأسماء الله الحسنى. لكنها لاحظت لاحقاً أن هناك ثغرات ومخاطر، خاصة مع العلاج عن بعد، حيث بدأت تشعر بأعراض غريبة، ونُصحت بالرقية الشرعية بعد أن فُسرت أحلامها على أنها تحذيرات من التعامل مع قوى غير مرئية.

أشارت أيضاً إلى أن بعض المدربين يستخدمون أسماء الله الحسنى وأذكاراً دينية بطرق غير مألوفة، ويؤكدون أن الشفاء ليس من عندهم بل من الله، لكنهم في الواقع يدخلون في طقوس باطنية قد تفتح الباب لتأثيرات سلبية. في النهاية، قررت التوبة وترك هذه العلوم، محذرة الآخرين من مخاطرها.

هل كل التنمية البشرية وعلوم الطاقة خطرة؟

أثار بعض المشاركين سؤالاً مهماً: هل من العدل تجريم جميع مدربي التنمية البشرية وعلوم الطاقة؟ أليس بينهم من يقدم فائدة حقيقية ويعمل بنية صافية وتقوى؟ جاءت الإجابة بأن الحكم يجب أن يكون على المنهج وليس على الأشخاص. فهناك معايير يجب مراعاتها: ميزان الدين (الكتاب والسنة)، ميزان العلم التجريبي، ميزان العقل، وميزان المنطق.

أشارت بعض الدراسات الأكاديمية إلى أن الكثير من مدارس التنمية البشرية تُصنف كعلوم زائفة، وأن ما هو مفيد فيها غالباً يدخل ضمن علم النفس أو العلوم الاجتماعية أو الموارد البشرية، وليس ضمن ما يسمى علوم الطاقة أو مدارس الوعي. كما أن بعض المدربين قد يكونون ضحايا لهذه العلوم دون علمهم بحقيقتها.

الفرق بين العبادة الحقيقية والطقوس الباطنية

من النقاط الجوهرية التي ناقشها المشاركون، أن ممارسات الطاقة والوعي تبدأ غالباً بمرحلة "التأنيس"، حيث يشعر الممارس بنشوة روحية ويظن أنه اقترب من الله أكثر. لكن مع الوقت، تبدأ الأفكار الباطنية بمزاحمة المفاهيم الدينية الأصيلة، ثم هدمها تدريجياً، حتى تتحول الصلاة والصيام والذكر إلى طقوس شكلية أو تُستبدل بتقنيات تأمل وتوكيدات ومانترا، ويصبح الهدف هو تحقيق الذات أو الاتحاد مع "الطاقة الكونية"، وليس التقرب إلى الله.

كما أشاروا إلى أن الشيطان قد يزين للإنسان هذه الممارسات، ويجعله يظن أنه يزداد قرباً من الله، بينما هو في الحقيقة ينحرف تدريجياً عن الطريق المستقيم، حتى يصل إلى أفكار خطيرة مثل "أنا الإله" أو "أنا أخلق قدري".

تجارب العائدين من الموت: حقيقة أم وهم؟

تناول النقاش أيضاً ظاهرة "العائدين من الموت"، حيث يروي بعض الأشخاص تجاربهم بعد الغيبوبة أو توقف القلب، ويصفون رؤى ومشاهدات روحية. رأى المشاركون أن هذه التجارب غالباً ما تكون نتيجة هلوسات أو تأثيرات كيميائية في الدماغ، ولا يمكن اعتبارها دليلاً على حقيقة دينية أو روحية. كما أن الشيطان قد يستغل هذه التجارب لترويج أفكار الرحمة المطلقة أو وحدة الأديان، ما يخالف العقيدة الإسلامية.

نصائح عملية للباحثين عن التنمية والتشافي

  • العودة إلى المصادر الموثوقة: يجب على الباحث عن التنمية الذاتية أو التشافي الروحي أن يعود إلى الكتاب والسنة، ويستشير العلماء الثقات، ويتجنب مصادر العلوم الزائفة أو المشبوهة.
  • التمييز بين العلم الحقيقي والزائف: ليس كل ما يُسمى "تنمية بشرية" أو "علم طاقة" هو علم حقيقي. كثير من هذه المدارس تخلط بين العلم والدجل، وتستغل حاجة الناس للراحة النفسية.
  • الحذر من الطقوس الباطنية: أي ممارسة تتضمن طقوساً غامضة، أو أعداداً معينة، أو تكرار أسماء الله بطرق غير مألوفة، أو استحضار قوى غير مرئية، يجب الحذر منها وتركها فوراً.
  • الاستعانة بالرقية الشرعية: من شعر بأعراض أو آثار سلبية بعد ممارسة هذه العلوم، عليه بالرقية الشرعية والتحصين اليومي.
  • النية لا تكفي وحدها: حتى لو كانت النية صافية، فإن الجهل قد يؤدي إلى الوقوع في الشرك أو البدعة دون قصد. لذلك، لا بد من التعلم والبحث قبل خوض أي تجربة روحية أو علاجية.

خلاصة: العودة إلى الفطرة السليمة

يختم المشاركون نقاشهم بالتأكيد على أهمية العودة إلى الفطرة السليمة، والتمسك بالدين الصحيح، والحذر من كل ما يخالف العقيدة أو يخلط بين الحق والباطل. فالحياة الروحية الحقيقية لا تحتاج إلى طقوس غامضة أو علوم دخيلة، بل إلى قلب صادق، وعقل واعٍ، والتزام بتعاليم الدين.

إن الطريق إلى السعادة والطمأنينة يبدأ من الداخل، من علاقة الإنسان بربه، ومن صدقه مع نفسه، وليس من ممارسات غامضة أو وعود براقة قد تجره إلى ما لا يُحمد عقباه.

إذا كنت تبحث عن التشافي أو التطوير الذاتي، فاجعل ميزانك هو الدين والعقل والعلم، ولا تغتر بالمظاهر أو النتائج السريعة. فليس كل ما يلمع ذهباً، وليس كل ما يُسمى علماً هو علم نافع.

ملاحظة: هذا المقال خلاصة حوار طويل بين مجموعة من المهتمين والباحثين السابقين في علوم الطاقة والتنمية البشرية، ويهدف إلى التوعية والنصح، وليس إلى التجريح أو الاتهام الشخصي. إذا كان لديك تجربة مشابهة أو تساؤلات، لا تتردد في طرحها على أهل العلم الموثوقين.

https://www.youtube.com/watch?v=D6dM5xQOT1c

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك