رحلة الخروج من أوهام "الطاقة": تجربة واقعية ودروس هامة لكل أسرة
في السنوات الأخيرة، انتشرت بين أوساط الشباب والفتيات العرب مفاهيم وممارسات غريبة تحت مسمى "الطاقة" و"التشافي الطاقي" و"تفعيل طاقة الأنوثة" وغيرها من ا
في السنوات الأخيرة، انتشرت بين أوساط الشباب والفتيات العرب مفاهيم وممارسات غريبة تحت مسمى "الطاقة" و"التشافي الطاقي" و"تفعيل طاقة الأنوثة" وغيرها من المصطلحات المستوردة من ثقافات وديانات شرقية. هذه الممارسات، التي قد تبدو في ظاهرها بريئة أو حتى علاجية، تخفي وراءها الكثير من المخاطر النفسية والدينية والاجتماعية، كما يتضح من تجربة حقيقية مؤثرة شاركتها إحدى السيدات في بث حواري توعوي.
في هذا المقال، سنعرض ملخصًا لهذه التجربة، ونحللها من منظور علمي وشرعي، مع تقديم نصائح عملية للأسر والمجتمع حول كيفية الوقاية من الوقوع في فخ هذه الممارسات.
البداية: اكتئاب ما بعد الولادة والبحث عن حل
تروي السيدة نيرة قصتها قائلة: "بعد ولادة ابنتي الصغيرة، أصبت بحالة اكتئاب شديدة استمرت لأكثر من عام ونصف. كنت أشعر بفراغ داخلي رهيب، وأفكار سلبية وصلت لدرجة التفكير في إيذاء نفسي وابنتي. حاولت التقرب إلى الله، وكنت أقرأ سورة البقرة وأستمع للرقية الشرعية، لكن حالتي الصحية والنفسية كانت متدهورة بسبب اضطراب الهرمونات ونقص الفيتامينات وفقر الدم."
توجهت نيرة إلى المستشفى، حيث تم تشخيصها بمشاكل في الغدة الدرقية ونقص فيتامين د، وحصلت على علاج طبي، لكن رحلة التعافي كانت بطيئة. في تلك الفترة، وجدت أمامها على الإنترنت فيديوهات ودورات عن "التأمل" و"تشافي الطاقة" و"تفعيل طاقة الأنوثة"، فقررت أن تجرب هذه الطرق علها تجد الراحة.
الانجراف في عالم الطاقة: من التأمل إلى "تشافي الرحم" و"صلاة الملكة"
تقول نيرة: "بدأت بتجربة بعض التأملات، وشعرت براحة مؤقتة. ثم تعرفت على مدربة تقدم كورسات عن تشافي جرح الأم وتفعيل طاقة الأنوثة، بأسعار باهظة وصلت إلى آلاف الدولارات. روّجت المدربة لفكرة أن كل مشاكل المرأة في علاقاتها وأمومتها وصحتها تعود إلى 'جرح الأم' أو 'خلل في شاكرا الجذر'، وأن الحل هو في كورساتها."
تتابع نيرة: "انجرفت مع هذه المدربة، وشاركت في جلسات غريبة مثل 'تشافي طاقة الرحم' و'صلاة الملكة'، وطقوس فيها بخور وشموع وأسماء غريبة، حتى وصل الأمر إلى مطالبتنا بممارسات محرمة مثل الامتاع الذاتي بحجة تفعيل شاكرا الجنس! كنت أشعر أحيانًا أن هناك خطأ ما، لكنني كنت أبحث عن أي حل للخروج من أزمتي."
الانقطاع عن العبادات والشعور بالفراغ الروحي
مع مرور الوقت، بدأت نيرة تلاحظ تغيرات خطيرة في حياتها: "صرت أشعر أنني لست بحاجة للقرآن أو الصلاة، وأصبحت أعتمد على 'الإلهامات' التي تأتيني من كائنات وهمية تظهر لي في جلسات التأمل. كنت أرى في خيالي امرأة اسمها 'ميرنا' تدّعي أنها مرشدي الروحي، وتوجهني في قراراتي، حتى في أبسط أمور حياتي."
وتضيف: "في شهر رمضان، لاحظت أن كل هذه 'الإلهامات' اختفت فجأة، ولم أعد أشعر بأي طاقة أو حضور لهذه الكائنات. هنا بدأت أستفيق، وأدركت أنني كنت أبتعد عن الله وأقع في أوهام خطيرة."
العودة إلى الله: التوبة والشفاء الحقيقي
تقول نيرة: "عدت إلى القرآن والصلاة والدعاء، وبدأت أستعين بآيات الشفاء وأشرب ماء مقروء عليه القرآن. سبحان الله، بعد فترة قصيرة، اختفت الآلام الجسدية التي كنت أعاني منها، حتى أن الأطباء تعجبوا من سرعة شفائي من التهاب العصب الوركي (عرق النسا). أدركت أن الشفاء الحقيقي بيد الله، وأن كل ما عشته من تجارب الطاقة لم يكن إلا استدراجًا شيطانيًا ووهمًا كبيرًا."
التحليل العلمي والشرعي: لماذا يقع الناس في فخ الطاقة؟
ناقش المختصون المشاركون في البث عدة نقاط هامة:
- الهشاشة النفسية والبحث عن حلول سريعة: كثير ممن يقعون في فخ الطاقة يكونون في حالة ضعف نفسي أو جسدي، ويبحثون عن حل سريع بعيدًا عن الطرق الطبية أو الشرعية الصحيحة.
- غياب التوعية الدينية والعلمية: ضعف الثقافة الشرعية والعلمية يجعل الإنسان فريسة سهلة للأفكار الدخيلة والممارسات الباطلة، خاصة مع انتشارها عبر الإنترنت.
- الاستغلال المالي والعاطفي: مدربو الطاقة يروجون لدورات باهظة الثمن، ويستغلون حاجة الناس للعلاج أو التطوير الذاتي، ويعلقون مشاكلهم على شماعات مثل "جرح الأم" أو "الطاقة السلبية".
- الخلط بين الدين والعلم والخرافة: يتم تقديم ممارسات وثنية أو شركية في قالب علمي أو ديني مزيف، مثل ربط مشاكل الصحة النفسية أو الجسدية بأوهام الشاكرات والطاقة الكونية.
- الابتعاد عن الأسرة والمجتمع: من نتائج هذه الممارسات تفكيك العلاقات الأسرية، ونشر أفكار التمرد على الزوج أو الأهل بحجة "تحرير الطاقة" أو "الوعي الجديد".
نصائح عملية للوقاية والعلاج
- الرجوع إلى الله والتمسك بالعبادات: القرآن والصلاة والدعاء هي الحصن الحقيقي للروح والجسد، ولا غنى عنها مهما كانت الظروف.
- طلب العلاج من المختصين: عند مواجهة أي مشكلة صحية أو نفسية، يجب التوجه إلى الأطباء أو المختصين النفسيين، وعدم الانجرار وراء الدجالين أو المدربين غير المؤهلين.
- التعلم الشرعي والعلمي: من الضروري تثقيف النفس وأفراد الأسرة حول العقيدة الصحيحة، والتمييز بين العلم الحقيقي والخرافة، وبين الدين الصحيح والأفكار الدخيلة.
- الرقابة الأسرية والحوار المفتوح: على الآباء والأمهات بناء علاقة ثقة مع أبنائهم، وفتح باب الحوار حول كل ما يواجهونه من أفكار أو تجارب، وعدم السخرية من مشاعرهم أو مشاكلهم.
- نشر الوعي في المجتمع: من واجب كل من عرف حقيقة هذه الممارسات أن ينقل تجربته وينصح من حوله، فالدال على الخير كفاعله، وقد يكون سببًا في إنقاذ نفس من الضياع.
خلاصة ودروس مستفادة
قصة نيرة ليست حالة فردية، بل تمثل نموذجًا متكررًا في مجتمعاتنا اليوم. إنها جرس إنذار لكل أسرة وكل شاب وفتاة عن خطورة الانجراف وراء الدجالين ومدربي الطاقة، وعن أهمية التمسك بالدين والعلم، وعدم البحث عن الحلول السريعة في أماكن مظلمة.
إن الشفاء الحقيقي يبدأ من الإيمان بالله، والأخذ بالأسباب الصحيحة، والابتعاد عن كل ما يخالف الفطرة والعقل والدين. فلنحذر جميعًا من هذه الأوهام، ولنكن سفراء للوعي والخير في بيوتنا ومجتمعاتنا.
شاركوا هذا المقال مع من تحبون، فقد يكون سببًا في إنقاذ نفس من الضياع.
للمزيد من القصص الواقعية والتحليلات العلمية والشرعية حول موضوع الطاقة والتنمية البشرية، تابعوا سلسلة "تحت المجهر" على قنوات التواصل الاجتماعي.
https://www.youtube.com/watch?v=oedns-Pmh8E