رحلة التوبة من الطاقة: كشف الحقائق وتوضيح المسارات
في السنوات الأخيرة، انتشرت مفاهيم الطاقة والتنمية الذاتية بشكل واسع، وأصبحنا نرى مدربين ومدربات للطاقة يروجون لبرامجهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يظ
في السنوات الأخيرة، انتشرت مفاهيم الطاقة والتنمية الذاتية بشكل واسع، وأصبحنا نرى مدربين ومدربات للطاقة يروجون لبرامجهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يظهرون فيها بمظهر السعادة والراحة النفسية. كثير من الناس يتساءلون: لماذا يبدو هؤلاء المدربون سعداء بينما يعاني البعض ممن جربوا هذه الممارسات من القلق والمشاكل؟ وهل فعلاً يمتلك هؤلاء المدربون علماً بالغيب أو قدرات خارقة كما يدّعون؟ في هذا المقال سنناقش بموضوعية ووضوح هذه القضايا، ونستعرض رحلة التوبة من هذه الممارسات، ونوضح المراحل التي يمر بها الممارس، ونبين كيف يمكن للإنسان أن يحصّن نفسه بالعلم الصحيح والإيمان.
حقيقة حياة مدربي الطاقة: الصورة خلف الكواليس
من الأسئلة الشائعة: "لماذا يظهر مدربو ومدربات الطاقة بمظهر السعادة والراحة؟" الحقيقة أن ما يظهر على الشاشات ليس إلا لقطات منتقاة بعناية، تهدف لإبراز صورة إيجابية وجذابة. لكن الواقع مختلف تماماً. كثير من هؤلاء المدربين يعانون من مشاكل نفسية وأعراض صحية لا تظهر للعلن، بل إن بعضهم يلجأ لجلسات استشفاء لدى مدربين آخرين بحثاً عن الراحة أو العلاج. ما يُعرض أمام الكاميرا ليس إلا جزءاً صغيراً من الحقيقة، بينما تبقى المعاناة الحقيقية مخفية عن المتابعين.
تضارب الأفكار بعد التوبة: كيف تتعامل مع الشكوك؟
بعد اتخاذ قرار التوبة وترك ممارسات الطاقة، قد يواجه الإنسان تضارباً في الأفكار، وربما تعود إليه الشكوك: "هل كنت على حق؟ هل فعلاً الطاقة مفيدة؟ هل أخطأت بتركها؟" هذه التساؤلات طبيعية، ويجب أن ندرك أن الشيطان والنفس قد يحاولان إعادة الإنسان إلى طريق الضلال. الحل هنا هو ضبط مصادر المعرفة، والابتعاد عن متابعة أي محتوى أو شخصيات تروج لهذه الأفكار، تماماً كما يتجنب التائب عن الخمر الاحتفاظ بزجاجات الخمر في منزله. التوبة الحقيقية تتطلب ترك كل ما يذكّر بالماضي، والتمسك بالعلم الشرعي الصحيح.
هل يمتلك مدربو الطاقة علماً بالغيب؟
من الأفكار التي يتم الترويج لها أن بعض مدربي الطاقة أو المنجمين لديهم علم بالغيب، أو يستطيعون التنبؤ بالأحداث. لكن العقيدة الإسلامية واضحة في هذا الباب: "قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله" (النمل: 65). لا أحد يعلم الغيب إلا الله سبحانه وتعالى، وأي ادعاء بمعرفة الغيب هو كذب وافتراء. حتى لو صدق المنجم أو مدرب الطاقة في بعض الأمور، فإن ذلك لا يعني أنه يمتلك علماً حقيقياً، بل قد يكون استراق سمع من الجن، كما وضّح النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "تلك الكلمة يسمعها الجني فيقرها في أذن وليه من الإنس، فيزيد عليها مئة كذبة".
الابتلاءات والرضا بقضاء الله
من الأسئلة المؤلمة التي قد تطرح: "لماذا يبتلي الله بعض عباده، مثل أهل غزة، بالمصائب والمحن؟" يجب أن ندرك أن الله سبحانه وتعالى أرحم بعباده من أنفسهم، وأن الابتلاء سنة من سنن الحياة، يرفع الله به درجات المؤمنين ويمحص قلوبهم. قال تعالى: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب" (البقرة: 214). علينا أن نثبت ونصبر وندعو لإخواننا، فالدعاء سلاح المؤمن، وكل منا عليه دور يؤديه في خدمة دينه وأمته.
مراحل الممارس للطاقة: من التسليم إلى الهلاك
من المهم أن يتعرف كل من مر بتجربة الطاقة على المراحل التي يمر بها الممارس، حتى يتمكن من تقييم وضعه الحالي واتخاذ القرار الصحيح:
- مرحلة التسليم: يبدأ الممارس بتسليم نفسه لكل ما يقوله المدرب، بحثاً عن الشفاء أو تحقيق الأمنيات.
- مرحلة المقاومة: تبدأ الشكوك والأسئلة تظهر، ويشعر الإنسان بتضارب داخلي بين ما يسمعه وما يؤمن به.
- مرحلة الاستسلام: يرفع الممارس يده ويقبل بكل شيء دون نقاش أو تفكير.
- مرحلة الضلال: يدافع عن أفكار الطاقة بشراسة، ويهاجم كل من يخالفه.
- مرحلة الاتباع: يصبح تابعاً بشكل أعمى، ويفقد القدرة على التمييز بين الحق والباطل.
وهناك مرحلة مهمة بين المقاومة والاستسلام، وهي مرحلة الإنكار، حيث يبدأ الإنسان برفض الأفكار الدخيلة ولا يستطيع قبولها عقلياً أو نفسياً، وهذه مرحلة مهمة جداً للخروج من دائرة الضلال.
التدرج في نتائج ممارسة الطاقة
هناك عدة أنماط لمسار الممارس في الطاقة:
- من فشل إلى فشل: لا يحقق أي نتائج حقيقية.
- فشل يتبعه نجاح جزئي ثم فشل.
- نجاح في البداية، ثم فشل وضلال واتباع أعمى.
- فشل يتبعه مكابرة ثم انهيار نفسي.
- نجاح متواصل يؤدي إلى الغرور والاستدراج، وهو أخطر أنواع المسارات، حيث يظن الإنسان أنه على حق بينما هو في طريق الهلاك، كما قال تعالى: "سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين" (الأعراف: 182-183).
كيف تحصّن نفسك بعد التوبة؟
- اضبط مصادر معرفتك: لا تتابع أي محتوى أو شخصيات تروج للطاقة أو التنمية الذاتية المشبوهة.
- التمسك بالعلم الشرعي: اجعل القرآن والسنة هما مصدر معرفتك الأول، واستعن بالعلم التجريبي بما لا يخالف دينك.
- العبادة والدعاء: أكثر من الذكر والدعاء والصدقة، فهي أسباب للثبات والطمأنينة.
- الدعم الأسري والاجتماعي: شارك مع أسرتك وأصدقائك، وابتعد عن العزلة.
- العمل على النفس: مارس الرياضة، واهتم بصحتك النفسية والجسدية، واطلب المساعدة من مختصين إذا لزم الأمر.
خاتمة: رسالة أمل وثبات
لكل من مر بتجربة الطاقة أو ما زال يصارع الشكوك والوساوس: اعلم أن العودة إلى الله هي النجاة، وأن الثبات على الحق يحتاج إلى صبر ومجاهدة. لا تدع الشيطان أو نفسك الأمّارة تجرّك إلى الوراء، ولا تغتر بالنجاحات المؤقتة أو المظاهر الخادعة. الحياة ابتلاء، والنجاة في التمسك بالعقيدة الصحيحة، والاستعانة بالله، والابتعاد عن كل ما يخالف دينك وفطرتك.
نسأل الله لنا ولكم الثبات والهداية، وأن يحفظنا من كل شر، ويرزقنا العلم النافع والعمل الصالح.
https://www.youtube.com/watch?v=VByTEioy914