رحلتي مع الدورات الوهمية: تحذير من تجربة واقعية
في السنوات الأخيرة، انتشرت في مجتمعاتنا موجة من الدورات التدريبية والبرامج التي تدّعي تحقيق التوازن النفسي والنجاح والسعادة من خلال مفاهيم الطاقة والو
في السنوات الأخيرة، انتشرت في مجتمعاتنا موجة من الدورات التدريبية والبرامج التي تدّعي تحقيق التوازن النفسي والنجاح والسعادة من خلال مفاهيم الطاقة والوعي والتنمية الذاتية. قد تبدو هذه الدورات مغرية للوهلة الأولى، خاصة في ظل الضغوطات الحياتية التي يمر بها الكثيرون، لكن تجربتي الشخصية، كأخصائية نفسية، كشفت لي عن جانب مظلم وخطير لهذه الدورات.
البداية: الانبهار والاندفاع
كنت معروفة بحضور الدورات التدريبية، وكنت أبحث عن التطوير الذاتي وتحقيق التوازن النفسي، مثل كثيرين غيري. مع الوقت، أصبح كل من حولي يسألني: "ماذا حدث لك؟ ما الجديد في حياتك؟" كنت أظن أنني أسير في الطريق الصحيح، لكن الحقيقة كانت عكس ذلك تمامًا.
خلف الكواليس: مدربون لا يعيشون ما ينادون به
من خلال احتكاكي المباشر بالمدربين، اكتشفت أن الكثير منهم لا يعيشون السعادة أو التوازن الذي يروجون له. رأيتهم عن قرب، وعرفت تفاصيل حياتهم، وأقسم بالله أن معظمهم يعانون من مشاكل نفسية عميقة. حتى في الجلسات والدورات، كنت ألاحظ علامات الاكتئاب والوسواس والقلق على المشاركين والمدربين على حد سواء.
الدوامة التي لا تنتهي
هذه الدورات تدخل الإنسان في دوامة لا نهاية لها. كلما شاركت في دورة، شعرت بتحسن مؤقت، ثم سرعان ما يعود الإحباط والغضب والمشاكل النفسية بشكل أقوى. تجد نفسك تبحث عن دورة أخرى، ومدرب آخر، وتقنية جديدة، وتدفع المزيد من المال والوقت دون نتيجة حقيقية. المدربون يريدونك أن تبقى متعلقًا بهم، تعود إليهم باستمرار، وتدفع المزيد.
تلاعب بالقيم والدين
من أخطر ما لاحظته هو محاولات بعض المدربين هدم القيم والمعتقدات الدينية والاجتماعية. يبدأون بكلمات مثل "اكسر الحواجز"، "انسف كل شيء تعلمته"، "تخلَّ عن كل قناعاتك القديمة". يسعون لإقناعك بأنك لن تصل للسعادة إلا إذا تخلّيت عن كل ما تربيت عليه من قيم ودين وأخلاق. بل وصل الأمر ببعضهم إلى استخدام الدين كوسيلة لإقناع الناس، فيوظفون الآيات والأحاديث لخدمة أفكارهم، ثم يسحبون البساط تدريجيًا حتى تجد نفسك بعيدًا عن دينك وأهلك.
شهادات وهمية وتقديس المدربين
ما زاد دهشتي أن الكثير من الحضور في هذه الدورات يحملون شهادات عليا، دكتوراه وماجستير، ومع ذلك يصدقون هذه الخرافات. بعض المدربين أصبحوا يُقدَّسون بشكل مبالغ فيه، حتى أن البعض يدفع آلاف الدولارات فقط ليشعر بطاقة المدرب، دون أي فائدة حقيقية.
خسائر مادية ونفسية
خلال سنوات من حضور هذه الدورات، أنفقت مبالغ طائلة كان يمكن أن تغير حياتي لو استثمرتها بشكل صحيح. ليس هذا فقط، بل لاحظت تدهورًا في علاقاتي مع أهلي وأصدقائي، وزيادة في مشاعر الغضب والاكتئاب، وأحلام مزعجة وكوابيس، وشعور دائم بأن من حولي لا يفهمونني.
العلاج الحقيقي: التسامح والعودة للجذور
بعد تجربة 13 سنة في هذا المجال، وصلت لقناعة راسخة: الحل الحقيقي لم يكن في أي دورة أو تقنية أو مدرب، بل في التسامح. نعم، التسامح مع النفس ومع الآخرين، دون الحاجة لمواجهتهم أو حتى رؤيتهم. أن ترفع عن قلبك كل الضغائن وتقول: "يا رب، عفوت عنهم لوجهك الكريم." هنا فقط شعرت براحة نفسية وسلام داخلي لم أجد له مثيلًا في أي دورة أو جلسة طاقة.
نصيحتي لكل باحث عن السعادة
لا تنخدعوا بالبريق الكاذب لهذه الدورات أو وعود المدربين. السعادة والتوازن النفسي لا تأتي من الخارج، بل من الداخل، من علاقتك بالله، ومن قيمك ومبادئك، ومن التسامح الحقيقي. لا تسمح لأحد أن يهدم ما تربيت عليه من دين وأخلاق. حافظ على عقيدتك، فهي صمام الأمان في هذا العالم المتغير.
وأخيرًا، أوجه ندائي لكل من مر بهذه التجربة أو يفكر في دخول هذا المجال: شاركوا تجاربكم، وحذروا غيركم، فزكاة العلم البلاغ. لعل الله يجعل في ذلك تطهيرًا لنا جميعًا، ويحمينا من الوقوع في فخ الدجل والشعوذة باسم التنمية الذاتية.
حفظكم الله من كل شر، ووفقكم لما فيه خير الدنيا والآخرة.
https://www.youtube.com/watch?v=wQZmhCUi5uI