اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

سحر المرايا: بين الخرافة وواقع التأثير النفسي والاجتماعي

في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من الممارسات المرتبطة بما يسمى "مدارس الطاقة" أو "تطوير الذات"، والتي تقدم نفسها أحيانًا تحت عناوين براقة مثل التوكي

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
6 دقائق

في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من الممارسات المرتبطة بما يسمى "مدارس الطاقة" أو "تطوير الذات"، والتي تقدم نفسها أحيانًا تحت عناوين براقة مثل التوكيدات الإيجابية أو شحن الطاقة عبر المرايا. ورغم أن هذه المفاهيم تبدو بسيطة أو حتى مسلية للبعض، إلا أن خلفها يكمن الكثير من المخاطر النفسية والدينية والاجتماعية، خاصة عندما تتجاوز حدود المنطق والعلم، وتدخل في طقوس ذات أصول خرافية أو حتى سحرية.

في هذا المقال، سنسلط الضوء على ما يُعرف بـ"سحر المرايا"، ونكشف حقيقة هذه الممارسات، وأثرها على الفرد والمجتمع، مستندين إلى تحليل نقدي وعلمي وشرعي.

ما هو سحر المرايا؟

سحر المرايا هو طقس قديم ارتبط بالسحر والشعوذة في حضارات متعددة، حيث يُعتقد أن للمرايا قدرة على عكس أو امتصاص الطاقات، أو حتى تخزين الذكريات والمشاعر والأحداث. وقد انتقل هذا المفهوم إلى بعض مدارس الطاقة الحديثة، التي تزعم أن النظر إلى المرايا وممارسة طقوس معينة أمامها، مثل ترديد التوكيدات أو رسم الرموز أو استخدام الشموع، يمكن أن يؤثر بشكل مباشر على حياة الإنسان، سواء بالسلب أو الإيجاب.

هذه الممارسات، رغم اختلاف أشكالها، تتفق في جوهرها على فكرة أن للمرايا قوى خفية، وأنها ليست مجرد أداة تعكس الصورة، بل وسيلة للتأثير في النفس والواقع، وأحيانًا لفتح "بوابات" للطاقة أو حتى لعوالم غير مرئية.

كيف دخلت المرايا في طقوس الطاقة الحديثة؟

تعود جذور هذه الطقوس إلى الفلسفات الشرقية القديمة، مثل الهندوسية والبوذية، حيث كانت المرايا تُستخدم في طقوس سحرية معقدة. ومع انتقال هذه الفلسفات إلى الغرب، تم إعادة تدوير بعض الأفكار ودمجها في مدارس الطاقة والتنمية البشرية، مع تغيير في الأسلوب أو الأهداف، لكن مع الاحتفاظ بجوهر المعتقدات حول الطاقة والسحر.

اليوم، نجد هذه الطقوس تُمارس تحت عناوين مختلفة مثل "توكيدات المرايا"، "شحن المرايا بالطاقة الإيجابية"، أو حتى "تنظيف شاكرات المرايا". وغالبًا ما يتم تسويقها للنساء بشكل خاص، بحجة تعزيز الثقة بالنفس أو حل المشكلات النفسية والاجتماعية.

أشهر طقوس المرايا في مدارس الطاقة

  • ترديد التوكيدات أمام المرايا: يُطلب من الممارس الوقوف أمام المرايا وتكرار عبارات مثل "أنا جميلة"، "أنا قوية"، "أنا ملكة"، مع التركيز على انعكاس العينين، وأحيانًا مع حركات جسدية معينة.
  • رسم الرموز أو كتابة الأمنيات: يُطلب رسم رموز أو كلمات على المرايا بالإصبع أو القلم، بزعم أن ذلك يشحنها بالطاقة أو يحقق الأمنيات.
  • استخدام الشموع أو البخور: يُستخدم عنصر النار (الشموع) أمام المرايا، بحجة تنظيفها من الطاقات السلبية أو تفعيل شاكراتها، مع ترديد تعويذات أو مانترا خاصة.
  • الوقوف عارية أمام المرايا: في بعض الطقوس المتقدمة، يُطلب من الممارسة الوقوف عارية أمام المرايا وترديد عبارات أو القيام بحركات معينة، بزعم تحقيق "قربان الجسد" أو "قربان الإلهة".
  • التواصل مع الطفل الداخلي: يُروج لفكرة أن الحديث مع النفس أو مع "الطفل الداخلي" أمام المرايا يساعد في الشفاء النفسي وتجاوز الصدمات.

الادعاءات حول المرايا: ذاكرة، شاكرات، طاقات!

من أغرب ما يُروج له في هذه الطقوس هو أن للمرايا "ذاكرة" خاصة بها، تسجل الأحداث والمشاعر، وأنها تحتوي على "شاكرات" (مراكز طاقة) مثل جسم الإنسان، وأن النظر إليها أو التعامل معها بطريقة معينة يمكن أن يشحنها أو ينظفها من الطاقات السلبية.

بل ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك، فيدعون أن ألوان العين المنعكسة في المرايا تتحول إلى سبعة ألوان طيفية، كل لون منها يرتبط بشاكرة معينة في المرايا، وتنعكس هذه الطاقات على العقل الباطن، فتؤثر على الصحة النفسية والجسدية، والرزق والعلاقات!

الآثار النفسية والاجتماعية لهذه الممارسات

رغم أن هذه الطقوس تبدو للبعض بريئة أو حتى مسلية، إلا أن لها آثارًا خطيرة، منها:

  • اضطرابات نفسية: مثل الاكتئاب، القلق، التشتت الذهني، الهوس، أو حتى الوسواس القهري.
  • مشكلات اجتماعية: مثل النفور بين الأزواج، تعطيل الزواج، الانعزال، أو تدمير العلاقات الأسرية.
  • أوهام السيطرة: حيث يعتقد الممارس أنه قادر على التحكم في مصيره أو مشاعره أو علاقاته بمجرد ترديد عبارات أمام المرايا.
  • فتح أبواب الوساوس: خاصة عند ربط هذه الطقوس بأفكار سحرية أو شيطانية، مما يؤدي إلى الخوف المستمر أو الهلع من المرايا أو الأماكن التي توجد فيها.
  • الابتعاد عن الدين والعلم: حيث يتم تجاهل الحلول الشرعية والعلمية للمشكلات النفسية والاجتماعية، واللجوء إلى طقوس لا أساس لها من الصحة.

خرافات شائعة حول المرايا

  • المرايا القديمة أو المكسورة تجلب النحس أو الطاقات السلبية.
  • المرايا تسجل كل ما يحدث أمامها وتؤثر على حياة من يستخدمها.
  • تنظيف المرايا بالشموع أو البخور يطرد الطاقات السلبية.
  • ترديد التوكيدات أمام المرايا يغير لون العين أو يحل المشكلات الجذرية.

كل هذه الادعاءات لا تستند إلى أي أساس علمي أو ديني، بل هي خرافات متوارثة أو مستحدثة، تهدف غالبًا إلى التربح أو السيطرة على عقول الناس.

الموقف الشرعي والعلمي

من المنظور الشرعي، فإن هذه الممارسات تدخل في باب الشعوذة والسحر، وهي محرمة في الإسلام، لما فيها من تعلق بغير الله، واعتقاد بوجود قوى خفية تتحكم في المصير خارج إرادة الله عز وجل.

أما من الناحية العلمية، فلا يوجد أي دليل تجريبي على أن للمرايا ذاكرة أو طاقات أو تأثيرات خارقة. المرايا مجرد أداة فيزيائية تعكس الضوء والصورة، ولا علاقة لها بالمشاعر أو الطاقات أو الأحداث.

كيف تُسوّق هذه الطقوس ولماذا تنتشر؟

يستخدم مروجو هذه الطقوس عبارات براقة مثل "الطاقة الإيجابية"، "قانون الجذب"، "برمجة العقل الباطن"، ويستهدفون الفئات الأكثر هشاشة نفسيًا واجتماعيًا، خاصة النساء والفتيات الباحثات عن حلول سريعة لمشكلاتهم.

وغالبًا ما تبدأ الممارسة بنصائح تبدو عادية، مثل الاهتمام بالنفس أو زيادة الثقة، ثم تتدرج إلى طقوس أكثر تعقيدًا وخطورة، حتى تصل إلى ما يشبه الطقوس السحرية أو الشعوذة.

خلاصة وتحذير

إن ما يُسمى بسحر المرايا ليس سوى خرافة معاصرة، أعيد تغليفها بأغلفة التنمية البشرية والطاقة، لكنها في جوهرها طقوس سحرية قديمة، لا تمت للعلم أو الدين بصلة. بل إنها تفتح أبوابًا واسعة للاضطرابات النفسية، وتفكيك الروابط الأسرية، وإضعاف التوكل على الله، والابتعاد عن الحلول الشرعية والعلمية الحقيقية.

لذلك، ننصح كل من يواجه مشكلات نفسية أو اجتماعية، أن يلجأ إلى الله أولًا، ثم إلى المختصين من الأطباء والمعالجين النفسيين، وألا ينخدع بهذه الطقوس أو يتبع مدربي الطاقة أو الشعوذة، مهما كانت عباراتهم براقة أو أساليبهم جذابة.

حافظوا على عقولكم، وتمسكوا بدينكم، ولا تتركوا لأحد فرصة العبث بمعتقداتكم أو استغلال مشاعركم.

المصادر:

  • القرآن الكريم والسنة النبوية.
  • كتب علم النفس الحديث.
  • مراجع في تاريخ الأديان والحضارات القديمة.
  • تجارب واقعية لمتضررين من هذه الطقوس.

هل لديك تجربة أو سؤال حول هذا الموضوع؟ شاركنا رأيك في التعليقات، ولا تتردد في طلب المساعدة من المختصين.

https://www.youtube.com/watch?v=piyhu5yAops

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك