اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

سجلات الأكاشا: بين الخرافة والحقيقة في ضوء العقيدة الإسلامية

في عالم اليوم، تنتشر الكثير من المفاهيم الغامضة والخرافات التي يتم تداولها على أنها حقائق علمية أو روحية. ومن بين هذه المفاهيم، برزت مؤخرًا فكرة "سجلا

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
6 دقائق

في عالم اليوم، تنتشر الكثير من المفاهيم الغامضة والخرافات التي يتم تداولها على أنها حقائق علمية أو روحية. ومن بين هذه المفاهيم، برزت مؤخرًا فكرة "سجلات الأكاشا" أو "مكتبة الأكاشا"، والتي يروج لها البعض على أنها مصدر غيبي يمكن من خلاله معرفة الأقدار وتغييرها أو الاطلاع على الماضي والمستقبل. فما هي حقيقة هذه السجلات؟ وما موقف الإسلام منها؟ هذا ما سنستعرضه في هذا المقال.

الإنسان وأسئلته الوجودية

منذ أن وُجد الإنسان على وجه الأرض وهو يتساءل: من أنا؟ ولماذا أعيش؟ وما مصيري بعد الموت؟ هذه الأسئلة الفطرية تراود الجميع، ويبحث كل فرد عن إجابات تطمئن قلبه وتمنحه السكينة. وقد تختلف الإجابات باختلاف العقائد والثقافات، لكن الحقيقة الثابتة أن الإنسان بحاجة إلى مرجعية واضحة وصحيحة تجيب عن هذه التساؤلات.

الإسلام والإجابات الشافية

يؤمن المسلمون أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق الرازق، وأنه أرسل الرسل وأنزل الكتب ليهدي الناس إلى الحق. وقد جاء القرآن الكريم والسنة النبوية ليقدما إجابات وافية عن كل ما يشغل الإنسان من أمور الغيب والقدر والمصير. فالمسلم يجد في دينه الطمأنينة والرضا، ويعلم أن الله وحده هو المتصرف في الكون، وأن كل شيء بقضائه وقدره.

ما هي سجلات الأكاشا؟

ظهر مفهوم سجلات الأكاشا في الديانات الشرقية القديمة، خاصة الهندوسية. ويُقال إن كلمة "أكاشا" سنسكريتية تعني "الأثير" أو "الفضاء"، ويزعم أتباعها أن الأكاشا عبارة عن مكتبة أثيرية غير مرئية، تحتوي على كل معلومات الكون وأقدار المخلوقات، الماضي والحاضر والمستقبل.

ويعتقد الهندوس أن هذه السجلات لا يمكن الوصول إليها إلا لفئة معينة من الكهنة أو من بلغوا درجات عالية من الاستنارة الروحية، وأن الدخول إليها يتطلب طقوسًا وتأملات خاصة. ومع مرور الزمن، انتقلت هذه الفكرة إلى الغرب، وبدأ بعض المنادين بالتنمية البشرية والروحانيات يروجون لإمكانية دخول الأكاشا عبر تمارين التأمل أو الإسقاط النجمي أو غيرها من الممارسات.

كيف انتشرت فكرة الأكاشا في العصر الحديث؟

في القرن التاسع عشر، زارت هيلينا بتروفنا بلافاتسكي، إحدى مؤسسات حركة "الثيوصوفيا"، الهند وادعت أنها تعلمت أسرار الأكاشا ودخلت معابدها. ومنذ ذلك الحين، بدأت الفكرة تنتشر في الغرب، مع إدخال بعض التعديلات عليها لتتناسب مع مفاهيم العصر الحديث مثل الوعي الجمعي والطاقة الكونية. وأصبح يُروج أن أي شخص يمكنه، عبر تمارين معينة، أن يدخل إلى سجلات الأكاشا ليكتشف أقداره أو يغيرها.

حقيقة سجلات الأكاشا: خرافة أم واقع؟

عند التأمل في أصل هذه الفكرة، نجد أنها خرافة لا تستند إلى أي دليل علمي أو عقلي أو حتى ديني صحيح. فهي مجرد أسطورة نشأت في بيئة وثنية تبحث عن إجابات خارج إطار الوحي الإلهي. كما أن هناك تناقضات كبيرة في الروايات حول من خلق الأكاشا وماهيتها، مما يدل على بطلانها.

والأخطر من ذلك، أن الوصول إلى الأكاشا – كما يزعمون – يتطلب ممارسات وطقوسًا روحية قد تصل إلى حد الشرك بالله، مثل الاستعانة بالجن والشياطين أو تقديم القرابين لهم، أو الدخول في حالات من فقدان الوعي والاتصال بعوالم مجهولة.

الفرق بين الأكاشا واللوح المحفوظ

يحاول البعض الربط بين مفهوم الأكاشا واللوح المحفوظ المذكور في القرآن الكريم، مدعين أن كليهما يتضمنان كتابة الأقدار. لكن الحقيقة أن اللوح المحفوظ هو أمر غيبي خاص بالله تعالى وحده، لا يطلع عليه أحد من خلقه، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل. وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن اللوح المحفوظ في كتابه الكريم، وبيّن أنه محفوظ من التغيير والتبديل، ولا يمكن لأحد الاطلاع عليه أو تغيير ما فيه.

أما سجلات الأكاشا، فهي مجرد خرافة لا أصل لها في الإسلام، ولا يوجد أي دليل شرعي أو علمي يثبت وجودها أو إمكانية الوصول إليها.

هل يمكن للإنسان تغيير أقداره أو الاطلاع على الغيب؟

الإسلام يؤمن بأن الله وحده هو عالم الغيب، ولا يعلم الغيب إلا هو. وما يقال عن إمكانية تغيير الأقدار عبر الدخول إلى سجلات الأكاشا أو غيرها من الطرق، هو ادعاء باطل. نعم، هناك أقدار معلقة يمكن أن تتغير بالدعاء أو صلة الرحم، لكن هذا التغيير كله مكتوب في اللوح المحفوظ، ولا يحدث إلا بإرادة الله وعلمه.

أما الاطلاع على الغيب، فلا يمكن لأحد مهما بلغ من العلم أو الروحانية أن يطلع على ما في اللوح المحفوظ أو يعلم الغيب المطلق. حتى الأنبياء عليهم السلام لا يعلمون الغيب إلا ما أوحى الله إليهم به.

مخاطر الانخداع بمثل هذه الخرافات

الانخداع بفكرة الأكاشا أو غيرها من الخرافات الروحية له آثار سلبية خطيرة، منها:

  • الوقوع في الشرك بالله: لأن هذه الممارسات غالبًا ما تتضمن الاستعانة بالجن والشياطين.
  • فقدان عبادة الدعاء: إذ يظن الشخص أنه يستطيع تغيير مصيره بنفسه دون الرجوع إلى الله.
  • الاضطراب النفسي وفقدان الطمأنينة: حيث يعيش الإنسان في دوامة من الأوهام والخيالات، ويبتعد عن الواقع وعن السكينة التي يمنحها الإيمان الصحيح.
  • الابتعاد عن تعاليم الإسلام الصحيحة: والانشغال بممارسات دخيلة لا تمت للدين بصلة.

كيف نحمي أنفسنا وأبناءنا من هذه الخرافات؟

  • التمسك بالعلم الشرعي: تعلم العقيدة الصحيحة من مصادرها الموثوقة، وفهم القرآن والسنة بفهم العلماء الراسخين.
  • الابتعاد عن الدورات والممارسات المشبوهة: التي تروج لمفاهيم الطاقة والسجلات الأثيرية والإسقاط النجمي وغيرها من الخرافات.
  • الرجوع إلى الله في كل الأمور: بالدعاء والاستغفار والعمل الصالح، واليقين بأن الله وحده هو المدبر والمصرف لأمور عباده.
  • التوعية والتحذير: من خطر هذه الأفكار على العقيدة والدين، ونشر الوعي بين الأهل والأصدقاء.

خلاصة القول

سجلات الأكاشا ليست سوى خرافة من خرافات الديانات الشرقية، لا أصل لها في الإسلام ولا في العلم. أما اللوح المحفوظ فهو من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، ولا يمكن لأي مخلوق الاطلاع عليه أو تغييره. الواجب على المسلم أن يحفظ توحيده وإيمانه، وألا ينخدع بمثل هذه الأفكار الباطلة التي تضر بدينه ودنياه.

قال الله تعالى:

"الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون"

[سورة البقرة: 3]

نسأل الله أن يهدينا للحق، ويرزقنا اتباعه، وأن يثبت قلوبنا على دينه، ويحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علمًا، ووفقنا لما تحب وترضى. وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

https://www.youtube.com/watch?v=MgbJ0ocNrcc

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك