تعظيم الله وأثره في حياة المسلم: بين الحقيقة والشبهات
في عالمنا المعاصر، تنتشر الكثير من الأفكار والمفاهيم التي تدّعي القرب من الدين أو تلبس ثوب الروحانية، كقوانين الجذب والامتنان وتفعيل أسماء الله الحسنى
في عالمنا المعاصر، تنتشر الكثير من الأفكار والمفاهيم التي تدّعي القرب من الدين أو تلبس ثوب الروحانية، كقوانين الجذب والامتنان وتفعيل أسماء الله الحسنى وغيرها من المفاهيم التي قد تبدو للوهلة الأولى بريئة أو حتى نافعة. إلا أن التعمق فيها يكشف عن انحرافات خطيرة عن جوهر التوحيد وتعظيم الله عز وجل. في هذا المقال، سنسلط الضوء على معنى تعظيم الله وأثره في حياة المسلم، مع بيان خطورة بعض الممارسات المنتشرة تحت مسميات التنمية البشرية والوعي الروحي.
أولاً: قيمة مجالس العلم وفضل الذكر
يبدأ الحديث بتذكير مهم بقيمة الجلوس في مجالس العلم الشرعي، حيث تذكر الملائكة من يحضرونها عند الله عز وجل، ويقال لهم في ختام المجلس: "قوموا مغفوراً لكم". فمجالس الذكر والعلم ليست مجرد تجمعات، بل هي مواطن لنزول الرحمة والمغفرة، وهي من أعظم ما يقرب العبد إلى ربه.
ثانياً: المغفرة وطلبها من الله وحده
من أعظم الأدعية التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وهو من هو في الفضل، أن يقول في صلاته:
"اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم".
هذا الدعاء يبين لنا أن حتى أعظم الصحابة كانوا في حاجة دائمة إلى مغفرة الله، وأنهم لم يطلبوا إلا من الله، ولم يلجأوا إلى أي وسيلة أو قانون بشري أو كوني.
ثالثاً: حقيقة تعظيم الله
تعظيم الله هو جوهر العقيدة الإسلامية، وهو الأساس الذي تنهار أمامه كل الشبهات والمفاهيم الدخيلة. فالله عز وجل هو العظيم، الكبير، المتكبر، الذي لا يشاركه أحد في صفاته ولا ينازعه أحد في كبريائه. يقول الله تعالى في الحديث القدسي:
"الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار".
كل ما في الكون من عظمة أو كبرياء عند البشر فهو عظمة مخلوقة ناقصة، أما عظمة الله فهي كاملة لا نقص فيها، ولا يمكن لمخلوق أن يدانيها أو ينافسها.
رابعاً: الرد على مفاهيم الجذب والامتنان وتفعيل الأسماء الحسنى
انتشرت في الآونة الأخيرة مفاهيم مثل "قانون الجذب"، "قانون الامتنان"، "قانون الاستحقاق"، و"تفعيل أسماء الله الحسنى"، وكلها تدور حول فكرة أن الإنسان يستطيع أن يجذب الخير لنفسه أو يغير قدره أو يفعل صفات الله في ذاته من خلال تكرار الأسماء أو التأملات أو رفع الذبذبات.
هذه المفاهيم في حقيقتها انحراف عن التوحيد، فهي تروج لفكرة أن الإنسان هو محور الكون، وأنه يستطيع أن يتحكم في مصيره بعيداً عن إرادة الله، أو أن فيه جزءاً من الألوهية أو النور الإلهي الذي يحتاج فقط إلى "تفعيل". وهذا مخالف تماماً لما جاء به الإسلام من تعظيم الله وتفرده بالخلق والتدبير.
خامساً: أسماء الله الحسنى بين التعظيم والابتداع
أسماء الله الحسنى هي باب عظيم للتعرف إلى الله، وهي وسيلة للدعاء والتقرب إليه، كما قال تعالى:
"ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها".
لكن تحويلها إلى تمارين طاقة أو تكرارات لجلب المال أو الصحة أو ما شابه، أو الاعتقاد بأن للإنسان اسماً أعظم خاصاً به، أو أن تفعيل هذه الأسماء يغير الواقع بشكل حتمي، كل ذلك من البدع والضلالات التي لم ترد في الشرع، بل هي من تلبيس إبليس وتزيين الباطل للناس.
سادساً: الفرق بين عظمة الخالق والمخلوق
عظمة الله مطلقة لا يعتريها نقص، أما عظمة المخلوق فهي نسبية وقابلة للزوال. قد يُعظم بعض الناس لمال أو علم أو سلطان، لكن كل ذلك يزول أو ينقص أو يفقد في لحظة. أما الله عز وجل، فله العظمة المطلقة في ذاته وصفاته وأفعاله، وهو الكبير المتعال الذي لا يُقهر ولا يُغلب.
سابعاً: أثر تعظيم الله في السلوك والإيمان
من آثار الإيمان بعظمة الله:
- الطاعة والانقياد: إذا عظّم العبد ربه حق التعظيم، أطاعه ولم يعصه، ووقف عند حدوده ولم يعترض على شرعه أو قدره.
- التواضع: فكلما ازداد العبد معرفة بعظمة الله، ازداد تواضعاً لله ولعباده.
- الطمأنينة: معرفة أن الله هو المدبر لكل شيء تمنح القلب راحة وسكينة، وتبعد عنه القلق من المستقبل أو الحرص الزائد على الدنيا.
- التحرر من العبودية للخلق: من عرف عظمة الله لم يذل نفسه لمخلوق، ولم يتبع إلا أوامر الله وشرعه.
ثامناً: التحذير من الشبهات والدعوات الباطلة
من واجب المسلم أن يحذر من الدخول في الشبهات، أو حضور دورات أو جلسات تروج لمفاهيم باطلة تحت اسم الدين أو التنمية أو الطاقة أو الوعي. فالشيطان يدخل على الناس من أبواب كثيرة، وأخطرها ما كان باسم الدين.
تاسعاً: مصادر موثوقة لفهم أسماء الله الحسنى
لمن أراد أن يتعلم عن أسماء الله الحسنى بشكل صحيح، هناك كتب موثوقة مثل:
- "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها" للدكتور عبد العزيز الجليل
- "نهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى" لمحمد الحمود النجدي
- "فقه الأسماء الحسنى" للشيخ عبد الرزاق البدر
- "لأنك الله" لعلي بن جابر الفيفي
هذه الكتب تشرح الأسماء من الناحية اللغوية والشرعية، وتبين أثرها في الإيمان والسلوك.
عاشراً: خلاصة ودعاء
في النهاية، تعظيم الله هو روح العبادة، وهو الحصن الحصين من كل الشبهات والانحرافات. وكلما ازداد العبد معرفة بعظمة ربه، ازداد قرباً منه وبعداً عن الباطل. نسأل الله أن يرزقنا تعظيمه حق التعظيم، وأن يثبتنا على التوحيد، وأن يهدينا الصراط المستقيم.
اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربنا إلى حبك، واجعلنا من عبادك المهتدين، وارزقنا العلم النافع والعمل الصالح، واهدنا الصراط المستقيم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تنبيه ختامي:
احذروا من كل من يدعو إلى تفعيل أسماء الله الحسنى أو قوانين الجذب أو غيرها من الشبهات، وتمسكوا بالقرآن والسنة وفهم السلف الصالح، واقرؤوا كتب العلماء الثقات، واجعلوا تعظيم الله هو المنهج الذي تسيرون عليه في حياتكم.
مصادر مقترحة للقراءة:
- "لأنك الله" لعلي الفيفي
- "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها" لعبد العزيز الجليل
- "نهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى" لمحمد الحمود النجدي
- "فقه الأسماء الحسنى" لعبد الرزاق البدر
دمتم في حفظ الله ورعايته.
https://www.youtube.com/watch?v=FnzYOCnptPY