تفكيك وهم المعتقدات المعيقة: تجربة شخصية مع تقنيات العلاج بالطاقة والتنقيب العميق
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من تقنيات العلاج بالطاقة والتنمية الذاتية التي تدّعي القدرة على تغيير المعتقدات السلبية أو "المعيقة" لدى الإنسان، من
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من تقنيات العلاج بالطاقة والتنمية الذاتية التي تدّعي القدرة على تغيير المعتقدات السلبية أو "المعيقة" لدى الإنسان، من خلال ما يُعرف بالتنقيب العميق واختبار العضلات والعمل على مستويات متعددة للمعتقدات. في هذا المقال، أشارككم تجربة شخصية ناقدة مع هذه التقنيات، وأوضح كيف يمكن أن تتحول رحلة البحث عن الشفاء إلى متاهة من التعقيدات النفسية والروحية، وأحيانًا إلى ضرر نفسي حقيقي.
المعتقدات المعيقة ومستوياتها الأربعة
تقوم بعض مدارس العلاج بالطاقة على فكرة أن المعتقدات السلبية أو المعيقة تتواجد على أربعة مستويات رئيسية:
- المستوى الصميمي (الأساسي): أي المعتقدات التي نشأت في مرحلة الطفولة أو التجارب المبكرة.
- المستوى الوراثي: وهي المعتقدات التي يُقال إنها انتقلت إلينا عبر الجينات من الأهل والأجداد.
- المستوى التاريخي: معتقدات يُزعم أنها متوارثة من حيوات أو أزمنة سابقة.
- المستوى الروحي: معتقدات متعلقة بالروح، يُقال إنها متجذرة في أعماق كيان الإنسان.
كان يُطلب من المعالجين والعميل البحث عن جذور المعتقد في كل مستوى، وإذا لم يُعثر عليه في الطفولة، يُفترض أنه وراثي، وإذا لم يكن كذلك، فربما من حياة سابقة، وإذا لم يُكتشف هناك، فبالتأكيد هو روحي! هكذا يتحول الأمر إلى حلقة لا تنتهي من البحث والتنقيب، مما يزيد من تعقيد المشكلة بدلاً من حلها.
اختبار المعتقدات: بين الوهم والحقيقة
من أشهر أدوات هذه المدارس ما يُسمى باختبار العضلات، حيث يُطلب من العميل ضم إصبعي الإبهام والسبابة، ويقوم المعالج بمحاولة فتحهما أثناء طرح عبارات معينة. إذا بقيت الأصابع مغلقة، فهذا يعني "نعم"، وإذا انفصلتا، فهذا يعني "لا". هناك أيضًا اختبار "البندول" باستخدام حركة الجسم للأمام والخلف.
من خلال تجربتي، وجدت أن هذه الاختبارات ليست علمية ولا دقيقة؛ إذ يمكن التلاعب بنتائجها بسهولة، بل وحتى اتجاه الجسم (شمال، جنوب، شرق، غرب) لم يكن له أي تأثير حقيقي، رغم ما يُقال عن ضرورة مواجهة الشمال مثلاً. كما أن النتائج تتغير من جلسة لأخرى، ما يدل على عدم مصداقيتها.
التنقيب العميق: متاهة بلا نهاية
كان يُطلب منا كمعالجين أن نقوم بما يُسمى "التنقيب" للوصول إلى جذر المعتقد، سواء كان متعلقًا بالخوف أو الاستياء أو الأمراض أو غيرها. ويُفترض أن لكل مستوى من المعتقدات طريقة تنقيب خاصة. أحيانًا كان التنقيب يتطلب العودة إلى "حياة سابقة" أو حتى إلى أسلاف أو حيوانات سابقة! هذا الأمر كان بالنسبة لي غير منطقي وغير مقبول دينيًا وعقليًا، إذ لا يوجد في ديننا أو في العلم ما يثبت فكرة تناسخ الأرواح أو انتقال المعتقدات عبر الأجيال بهذه الطريقة.
الآثار النفسية والتنمر الذاتي
من خلال هذه الممارسات، كان العميل يُحمّل نفسه مسؤولية كل شيء في حياته، ويُطلب منه أن يتحرر من جميع المعتقدات على كل المستويات. وإذا لم يتحسن حاله، يُقال له إنه لم يتخلص من المعتقدات بعد أو أنه يقاوم أو غير مستعد! هذا يؤدي إلى شعور بالذنب والتقصير، ويزيد من الضغط النفسي عليه.
حتى بعد الجلسات، كان الكثير من العملاء يشعرون بأنهم لم يتحسنوا فعليًا، وأن معاناتهم ما زالت مستمرة، رغم اتباعهم كل الخطوات المطلوبة. وهذا ما دفعني للتساؤل: إذا كنا نكرر نفس الخطوات ونصل لنفس الجذور ("أنا غير كفء"، "أنا سيئة"، "أنا عار"، "أنا خطأ")، فلماذا لا يتغير شيء؟
هل هناك تأثير حقيقي؟ أم مجرد "تأثير الدواء الوهمي"؟
مع مرور الوقت، أدركت أن ما يحدث في الجلسات لا يتعدى كونه "تأثير الدواء الوهمي" (Placebo Effect). يشعر العميل بالراحة المؤقتة أثناء الجلسة بسبب الأجواء والدعم النفسي، لكن سرعان ما تعود المشكلة للظهور بعد فترة قصيرة، لأن السبب الحقيقي لم يُعالج.
المخاطر الروحية: التحذير من الانخراط في طقوس غير مشروعة
من أخطر ما لاحظته في هذه التقنيات هو الانخراط في طقوس وأدعية وتأملات يُقال إنها "روحية" أو "إلهية"، لكنها في الحقيقة تفتح الباب للتواصل مع كيانات غير مرئية (كالجن والشياطين)، دون وعي من العميل أو حتى بعض المعالجين. وقد يؤدي ذلك إلى أعراض نفسية وجسدية مثل التعب، الخمول، أو حتى حالات من الهياج العصبي، وهي ليست علامات "تحرر" كما يُروج لها، بل قد تكون نتيجة لتأثيرات روحية سلبية.
زرع معتقدات جديدة: خطر آخر خفي
الأخطر من ذلك أن بعض المعالجين كانوا يزرعون فينا معتقدات جديدة سلبية بحجة أنهم "كشفوها" أثناء الجلسة، مثل الإيحاء بأنك كنت ساحرًا أو نصابًا أو بخيلًا في حياة سابقة، أو أن مشاكلك سببها أهلك أو أجدادك. هذا النوع من الإيحاءات يخلق نفورًا من الأهل والمجتمع، ويزيد من تعقيد المشكلات النفسية.
الحل الحقيقي: العودة للعلم والمتخصصين
بعد سنوات من التجربة، أدركت أن الحل الحقيقي لأي مشكلة نفسية أو صدمة أو معتقد سلبي هو اللجوء إلى أهل الاختصاص: الأطباء النفسيين والمعالجين النفسيين المؤهلين علميًا. هؤلاء درسوا لسنوات ولديهم أدوات علمية مثبتة لعلاج المشكلات النفسية، وليس مجرد دورات قصيرة أو تقنيات غير مثبتة علميًا.
خلاصة التجربة: لا تقع في الفخ!
إذا كنت تعاني من أفكار أو مشاعر سلبية أو صدمات نفسية، لا تنخدع بالتقنيات التي تعدك بالشفاء السريع عبر اختبارات غير علمية أو طقوس روحية مشبوهة. الحل يبدأ بالاعتراف بالمشكلة، ثم طلب المساعدة من المتخصصين، واتباع خطوات عملية وتكرارها حتى تتحول إلى عادات إيجابية.
وأخيرًا، تذكر أن الله سبحانه وتعالى وهبنا العقل والدين والدستور الواضح (القرآن)، وأن الإنسان مسؤول عن سعيه وأفعاله، وليس ضحية لمعتقدات غامضة أو قوى خفية. لا تحمل نفسك ما لا تطيق، ولا تضع مصيرك بيد من لا يملك العلم أو الخبرة الحقيقية.
ملاحظة: هذا المقال ليس هجومًا على أحد، بل هو دعوة للتفكير النقدي والعودة للعلم والمنهج الصحيح في التعامل مع النفس والمشكلات الحياتية.
https://www.youtube.com/watch?v=Fpe7SQ2H5bc