تحليل نقدي لتقنية الثيتا هيلينغ: الجذور، المبادئ، والمخاطر من منظور إسلامي
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من تقنيات العلاج بالطاقة والتأمل الروحي في العالم العربي، من أبرزها تقنية "الثيتا هيلينغ" (Theta Healing). يدّعي مرو
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من تقنيات العلاج بالطاقة والتأمل الروحي في العالم العربي، من أبرزها تقنية "الثيتا هيلينغ" (Theta Healing). يدّعي مروّجو هذه التقنية أنها تعتمد على مبادئ روحية وعلمية تساعد الإنسان على التشافي الجسدي والنفسي من خلال التأمل وتفعيل "طاقاته الكامنة". لكن، ما مدى صحة هذه الادعاءات؟ وهل تتوافق هذه التقنية مع العقيدة الإسلامية؟ في هذا المقال، نقدم تحليلاً نقدياً شاملاً لتقنية الثيتا هيلينغ، مستندين إلى نصوص دينية وعلمية، وتجارب واقعية لممارسين سابقين.
أولاً: الجذور الفلسفية والدينية لتقنية الثيتا هيلينغ
من المهم أن نعرف أن تقنية الثيتا هيلينغ ليست وليدة بيئة إسلامية أو حتى سماوية، بل هي مستمدة من فلسفات شرقية كالهندوسية والبوذية وبعض تعاليم الكابالا اليهودية. تعتمد هذه الفلسفات على مفاهيم مثل "الطاقة الكونية"، "الشاكرات"، و"الكنداليني"، وهي مصطلحات لا أصل لها في العقيدة الإسلامية، بل ترتبط غالباً بعبادة الأصنام أو الاستعانة بقوى غيبية غير مشروعة.
مفهوم "الخالق" في الثيتا هيلينغ
في كتب ومناهج الثيتا هيلينغ، يُستخدم مصطلح "الخالق" بطريقة فضفاضة، ويُشار إليه أحياناً كمصدر للطاقة أو كقوة كونية، وليس كالإله الواحد الأحد الذي نؤمن به في الإسلام. حتى أن بعض النصوص تذكر أن الخالق "انبثق" أو "انبسط" – وهي تعبيرات باطلة وخطيرة من منظور التوحيد الإسلامي. وهذا المفهوم يتشابه مع معتقدات البوذية والهندوسية التي ترى أن الكون كله جزء من طاقة كونية واحدة، وليس هناك خالق منفصل عن مخلوقاته.
الروح في الإسلام والثيتا هيلينغ
تستشهد بعض مناهج الثيتا هيلينغ بآيات قرآنية مثل: {فإذا سويته ونفخت فيه من روحي} (البقرة: 29)، لتزعم أن في الإنسان "جزء من الله". وهذا فهم خاطئ للآية، فالمقصود أن الله خلق الروح ونسبها إليه تشريفاً، وليس أن الإنسان يحمل جزءاً من ذات الله – تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. هذا الفهم المغلوط قد يؤدي إلى الشرك، وهو ما وقع فيه بعض أتباع الديانات الأخرى.
ثانياً: المبادئ الأساسية لتقنية الثيتا هيلينغ
تعتمد تقنية الثيتا هيلينغ على سبعة "أغصان" أو مبادئ رئيسية، نلخصها ونناقشها فيما يلي:
- قوة الكلمة والفكر: تؤكد التقنية على تكرار الكلمات الإيجابية بصوت عالٍ، وتجنب عبارات النفي أو الشك. ويُقال إن ذلك يؤثر على "اللاوعي" ويخلق واقعاً جديداً. لكن المشكلة هنا أن هذه الفكرة تُعطي الإنسان سلطة مطلقة على الخلق والتغيير، وتتجاهل مشيئة الله وقدرته، وهو ما يتعارض مع التوحيد الإسلامي.
- موجات الدماغ: تشير التقنية إلى أن الدخول في حالة "ثيتا" (موجات دماغية بطيئة) يُسهّل الاتصال بالخالق أو بالطاقة الكونية. ويُربط ذلك بمفاهيم الشاكرات والتأمل الشرقي، ويُزعم أن الإنسان يمكنه من خلال التأمل أن يرتقي روحياً ويصل إلى "المستوى السابع" حيث يتواصل مع الخالق مباشرة.
- الحواس الفوق حسيّة والشاكرات: تدعو التقنية إلى تفعيل الحواس الكامنة والشاكرات (مراكز الطاقة في الجسد حسب الفلسفة الهندوسية)، وتزعم أن ذلك يفتح للإنسان أبواب الإدراك الروحي. وتُستخدم مصطلحات مثل "الكنداليني" و"شاكتي"، وهي مفاهيم وثنية لا أصل لها في الإسلام.
- الخيار الحر والمشاركة في الخلق: تروج التقنية لفكرة أن الإنسان "يشارك الخالق في الخلق"، أو أنه "يخلق واقعه بنفسه". وهذا انحراف خطير عن العقيدة، إذ لا خالق إلا الله، ولا يحق للعبد أن يدّعي لنفسه صفة من صفات الله عز وجل.
- قوة الملاحظة والشهادة: يُطلب من الممارس أن "يشهد" عملية التشافي وكأنها تحدث أمامه، ويُربط ذلك بنظريات فيزياء الكم. لكن في الحقيقة، لا يوجد دليل علمي على أن مجرد الملاحظة الذهنية يمكن أن تُحدث تغييرات مادية أو روحية بهذه الطريقة.
- الدعاء: يُحوّل الدعاء من تضرع وابتهال لله إلى "أمر مؤدب" أو "طلب مباشر" يجب أن يُستجاب فوراً، مع تكرار عبارات مثل "لقد تم، لقد تم". وهذا يتعارض مع أدب الدعاء في الإسلام، الذي يقوم على التواضع والتسليم لمشيئة الله.
- الخالق والطاقة الكونية: تخلط التقنية بين مفهوم الخالق في الإسلام ومفهوم "الطاقة الكونية" في البوذية والهندوسية، وتدعو إلى الاتحاد مع هذه الطاقة أو "الاندماج مع الخالق"، وهو مفهوم باطل لا أصل له في ديننا.
ثالثاً: المستويات السبعة للوجود في الثيتا هيلينغ
تقسم التقنية الوجود إلى سبعة مستويات، لكل منها خصائصه وقوانينه:
- المستوى الأول: المواد غير العضوية (المعادن والكريستالات)، ويرتبط بالخيمياء، وهي مجال معروف تاريخياً بالاستعانة بالجن والسحر.
- المستوى الثاني: المواد العضوية (النباتات، الفيتامينات، البكتيريا)، ويُقال إن نقص الفيتامينات مرتبط بنقص الحب، وهو ربط غير علمي.
- المستوى الثالث: الإنسان والحيوانات، ويُزعم أن الإنسان هنا "عالق" في مشاعره السلبية ويحتاج للتحرر منها ليصل إلى الاستنارة.
- المستوى الرابع: أرواح ما بعد الموت، ويُقال إن المعالجين يتواصلون مع "الأرواح" (وهي في الحقيقة شياطين) لمساعدة الآخرين.
- المستوى الخامس: الشياطين والملائكة، ويُزعم أن بعض البشر ينحدرون من عائلات روحية لها مجلس من 12 شخصاً (تشابه مع تلاميذ المسيح).
- المستوى السادس: القوانين الكونية، ويُقال إن لكل قانون "روح" (أي جني)، ويمكن للمعالجين الدخول إلى "مكتبة الأكاشا" لتغيير مصائر الناس!
- المستوى السابع: "الوجود مع الخالق"، حيث لا توجد قوانين أو شروط، ويُزعم أن المعالج هنا يتعامل مباشرة مع الله، وهو ادعاء باطل وخطير.
رابعاً: المخاطر النفسية والدينية والاجتماعية
- الانحراف العقدي: كثير من مبادئ الثيتا هيلينغ تتعارض مع التوحيد، وتفتح باب الشرك من خلال ادعاء المشاركة في الخلق أو الاتحاد مع الخالق.
- الاستعانة بالجن والشياطين: كثير من ممارسات التقنية تعتمد على التواصل مع "أرواح" يُزعم أنها مرشدة أو معلمة، وهي في حقيقتها شياطين.
- الضرر النفسي: كثير من الممارسين السابقين ذكروا أنهم عاشوا حالات من الوهم، الانفصال عن الواقع، التعلق بالمعالجين، والشعور الدائم بعدم الكفاية.
- تفكك العلاقات الأسرية والاجتماعية: تروج التقنية لفكرة "العائلة الروحية" والانفصال عن الأسرة الحقيقية، مما يؤدي إلى ضعف صلة الرحم وتفكك المجتمع.
خامساً: الرد الشرعي والعلمي
- العقيدة الإسلامية واضحة: لا خالق إلا الله، ولا يجوز للعبد أن يدّعي لنفسه صفات الألوهية أو أن يشارك في الخلق.
- الدعاء في الإسلام عبادة: يقوم على التضرع والتسليم، وليس على إعطاء الأوامر لله أو الإلحاح بأن "لقد تم".
- العلم الحديث: لا يوجد دليل علمي على أن تكرار الكلمات أو الدخول في موجات دماغية معينة يمكن أن يغيّر الواقع أو يشفي الأمراض بشكل خارق.
- الاستعانة بالجن محرمة: كل عمل يستند إلى الاستعانة بالجن أو الأرواح أو الطاقات المجهولة هو عمل محرم في الإسلام.
الخلاصة والتوصيات
تقنية الثيتا هيلينغ ليست سوى مزيج من الفلسفات الشرقية الباطلة، والشعوذة، وبعض المصطلحات العلمية المشوهة. لا علاقة لها بالإسلام، بل تحمل في طياتها مخاطر عقدية ونفسية واجتماعية جسيمة. واجب كل مسلم ومسلمة أن يتحرى عن مصدر أي تقنية أو علاج قبل ممارسته، وأن يعود إلى العلماء الثقات لفهم دينه، وعدم الانخداع بالشعارات البراقة أو الوعود الكاذبة بالشفاء والتنوير.
نصيحة أخيرة:
تعلموا دينكم جيداً، وكونوا على وعي بمخاطر مثل هذه التقنيات، ولا تنخدعوا بمظاهر التسويق أو "أسلمة" المصطلحات. فالعقيدة الصحيحة هي الحصن الحصين من كل انحراف أو ضلال.
شارك المقال مع من تحب، وساهم في نشر الوعي حول مخاطر هذه التقنيات.
https://www.youtube.com/watch?v=tsvqjE-LLvk