اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

أثر التعلم عن بعد والإلكترونيات على نفسية الأطفال وتحصيلهم الدراسي: رؤية علمية وعملية

في السنوات الأخيرة، أصبح التعلم عن بعد واستخدام الإلكترونيات جزءًا لا يتجزأ من حياة الأطفال اليومية. ومع تزايد الاعتماد على الشاشات، برزت تساؤلات جدية

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
6 دقائق

في السنوات الأخيرة، أصبح التعلم عن بعد واستخدام الإلكترونيات جزءًا لا يتجزأ من حياة الأطفال اليومية. ومع تزايد الاعتماد على الشاشات، برزت تساؤلات جدية حول تأثير هذه الوسائل على نفسية الطفل وتحصيله الدراسي، وهو محور رسالة الدكتوراه التي أعمل عليها حاليًا. في هذا المقال، سنناقش من منظور علمي وعملي كيف تؤثر الإلكترونيات وأفلام الكرتون والأنمي على الأطفال، وما هي المخاطر، وكيف يمكن للأهل التدخل الإيجابي.

الإلكترونيات وأفلام الكرتون: أيهما أخطر؟

لا تزال الدراسات غير حاسمة حول ما إذا كان إدمان الإلكترونيات أو إدمان أفلام الكرتون هو الأخطر على الأطفال، فالأمر يشبه قصة البيضة والدجاجة. لكن المؤكد أن إدمان الشاشات عمومًا يصنف من أخطر أنواع الإدمان، حتى أنه قد يكون أخطر من إدمان بعض المواد المخدرة. السبب في ذلك أن المواد المخدرة يمكن إيقافها فجأة ويعود الإنسان لطبيعته تدريجيًا، أما إدمان الإلكترونيات فيؤثر على الدماغ والسلوكيات بشكل عميق ومستمر.

عندما يقضي الطفل ساعات طويلة أمام الشاشات، ينفصل عن أسرته وواجباته المدرسية، وتقل حركته، بل ويصبح نمو عقله مهددًا. فالإدمان هنا لا يقتصر على التسلية، بل هو "اختطاف" كامل لعقل الطفل وهويته وقيمه ومشاعره.

الأنمي: الخطر الخفي

تعتبر أفلام الأنمي من أخطر أنواع الرسوم المتحركة، بحسب العديد من الدراسات. فهي تحمل في طياتها رسائل وأفكار قد تكون مدمرة، وتُقدَّم للأطفال بشكل جذاب ومغلف كهدية. بالمقارنة مع أفلام الكرتون التقليدية، فإن الأنمي غالبًا ما يحتوي على مشاهد عنف، أو رسائل عقدية وأخلاقية خطيرة، أو حتى مشاهد غير مناسبة للأطفال.

ما يزيد الأمر سوءًا أن بعض القنوات التي تعرض هذه الأعمال قد تحذف المشاهد الصريحة، لكن الطفل سرعان ما يلجأ إلى المواقع الأصلية لمتابعة الحلقات دون رقابة أو حذف، ما يعرضه لمحتوى غير مناسب تمامًا.

الحركة ونمو الدماغ: لماذا هي ضرورية؟

عند ولادة الطفل، يكون لديه مليار خلية عصبية تقريبًا، لكن ما ينمو مع الوقت هو التشابكات العصبية بين هذه الخلايا، والتي تتطور بالحركة والنشاط البدني. لهذا، فإن قضاء الطفل ساعات أمام الشاشات يحرمه من هذه الفرصة الذهبية لنمو دماغه ومشاعره وفهمه للعالم من حوله.

الحركة تزيد من تدفق الأكسجين للدماغ، مما يحسن التركيز والتحصيل العلمي. أما الجلوس الطويل أمام الشاشات، فيؤدي إلى اضطراب التصورات، وضعف الانتباه، وصعوبة التذكر، وهي ثلاثية ضرورية لأي عملية تعلم ناجحة.

التأثير السلوكي والنفسي لمحتوى الشاشات

كل ما يشاهده الطفل يُخزَّن في عقله، حتى لو لم يكن يفهمه بالكامل. لهذا السبب، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يوصي بتحصين الطفل منذ ولادته بالأذان، لأن أول ما يُخزَّن في عقله هو العقيدة. ومع تكرار مشاهدة محتوى غير مناسب، تتكون أنماط سلوكية جديدة لدى الطفل دون وعي منه أو من أهله.

مشاهدة العنف، أو المشاهد الإباحية، أو الرسائل العقدية المنحرفة، تؤدي إلى اضطرابات نفسية وسلوكية مثل العنف المكبوت، قضم الأظافر، قلة الشهية، التبول اللاإرادي، أو حتى البلوغ المبكر واضطراب الهوية الجنسية. كل هذه الأعراض قد تظهر تدريجيًا، ويصعب على الأهل ربطها مباشرة بمحتوى الشاشات.

لماذا لا يتعلم الأطفال رغم أفضل المدارس؟

كثير من الأهل يشتكون من أن أبناءهم لا يحققون نتائج دراسية جيدة رغم توفير أفضل المدارس والمعلمين. السبب الرئيسي هو أن إدمان الشاشات يدمر التركيز والانتباه والذاكرة، وهي أساسيات التعلم. الطفل الذي يقضي ساعات أمام الشاشات لا يستطيع التركيز في الصف، ولا يتفاعل مع المعلم، ويصبح مشوش الذهن.

مخاطر اجتماعية وأخلاقية متزايدة

لم تعد المخاطر تقتصر على العنف أو ضعف التحصيل الدراسي، بل امتدت إلى قضايا أخلاقية واجتماعية خطيرة مثل التقليد الأعمى لشخصيات الأنمي، أو تبني أفكار عن المثلية أو التحول الجنسي، أو حتى الانخراط في علاقات غير لائقة في سن مبكرة. هناك حالات واقعية لأطفال في عمر تسع سنوات يعلنون ميولهم الجنسية أو يشاركون في سلوكيات خطيرة، وكل ذلك نتيجة تعرضهم المستمر لمحتوى غير مناسب دون رقابة أو توجيه.

ما هو الوقت المسموح به أمام الشاشات؟

علميًا، ينصح بأن لا يتجاوز الطفل دون سن 7 سنوات ثمان دقائق يوميًا أمام الشاشات، وفي سن 17 عامًا يمكن أن يصل إلى 20 دقيقة. لكن الواقع مختلف تمامًا، إذ يقضي كثير من الأطفال من 4 إلى 8 ساعات يوميًا أمام الشاشات، ما يصنف كإدمان حقيقي.

دور الأهل: كيف نحمي أطفالنا؟

  • القدوة الحسنة: لا تطلب من طفلك ترك الشاشات وأنت تمضي وقتك أمامها.
  • تغيير أسلوب الحياة: املأ وقت الطفل بأنشطة بدنية واجتماعية مفيدة (رياضة، سباحة، كرة قدم، أنشطة فنية).
  • القطع النهائي أو التدريجي: للأطفال دون 10 سنوات يفضل القطع النهائي عن الشاشات، أما الأكبر سنًا فيمكن تقليل الوقت تدريجيًا.
  • المتابعة والرقابة: راقب ما يشاهده طفلك وتحدث معه عن محتوى ما يشاهده، وكن دائمًا مستعدًا للإجابة عن أسئلته مهما كانت محرجة.
  • تعزيز المسار الإيماني: ازرع في طفلك معنى وهدف الحياة من خلال القيم الدينية، وخصص وقتًا يوميًا للحديث عن الدين والأخلاق.
  • العلاقات الصحية: شجع طفلك على بناء علاقات مع أقران يحملون نفس القيم والمبادئ.
  • النقاش والحوار: لا ترفض أسئلة طفلك أو توبخه إذا سأل عن مواضيع حساسة، بل كن مصدر الأمان والمعلومة الصحيحة له.

وسائل العلاج من إدمان الشاشات

هناك ستة مسارات رئيسية للعلاج:

  • أسلوب الحياة: تغيير العادات اليومية وملء الفراغ بأنشطة مفيدة.
  • المسار الإيماني: تعزيز القيم الدينية والروحية.
  • المسار الحيوي والبيولوجي: زيادة النشاط البدني والحركة.
  • مسار العلاقات: إبعاد الطفل عن مجموعات الأصدقاء المدمنين للشاشات، وتكوين صداقات صحية.
  • مسار التفكير: إعادة بناء الأفكار والقناعات من خلال النقاش والحوار.
  • المسار العلاجي المتخصص: الاستعانة بمختصين إذا لزم الأمر.

ختامًا

إن مسؤولية حماية الأطفال من مخاطر الشاشات تقع أولاً وأخيرًا على عاتق الأسرة. لا تنتظر حتى تظهر المشاكل بشكل واضح، بل بادر من اليوم بمراقبة ما يشاهده طفلك، واملأ وقته بما ينفعه، وكن أنت القدوة التي يقتدي بها. تذكر أن القيم لا تُلقَّن بل تُغرس بالقدوة والممارسة اليومية، وأن بناء شخصية الطفل يبدأ من بيته وبيئته، وليس من شاشة لا تعرف من يقف خلفها.

احرص على أن يكون طفلك حاضرًا في واقعه، متصلاً بقيمه، متوازنًا نفسيًا وجسديًا، فهذا هو الاستثمار الحقيقي لمستقبل أفضل.

https://www.youtube.com/watch?v=LPl8isQFa5A

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك