اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

تجربة الاقتراب من الموت: بين الإيمان، العلم، والتغيرات الفكرية في المجتمعات الغربية

في السنوات الأخيرة، أصبحت تجارب الاقتراب من الموت (Near-Death Experiences) موضوعًا مثيرًا للنقاش بين الأوساط العلمية والدينية والاجتماعية، خاصة مع تزا

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
6 دقائق

في السنوات الأخيرة، أصبحت تجارب الاقتراب من الموت (Near-Death Experiences) موضوعًا مثيرًا للنقاش بين الأوساط العلمية والدينية والاجتماعية، خاصة مع تزايد القصص الشخصية التي يرويها أشخاص مروا بمواقف صحية حرجة، غيرت نظرتهم للحياة والكون والدين. في هذا المقال، نستعرض تجربة حقيقية لسيدة عربية تعيش في الدنمارك، ونحلل كيف أثرت هذه التجربة على قناعاتها الدينية والفكرية، وكيف تفاعلت مع المجتمع الغربي من حولها، بالإضافة إلى وجهات نظر علمية ودينية حول هذه الظاهرة.

بداية التجربة: لحظة فاصلة

تروي "لونا"، وهي سيدة عراقية مقيمة في الدنمارك منذ ثماني سنوات، أنها مرت بتجربة قاسية عندما شعرت بألم شديد في القلب أدى إلى فقدانها الوعي. تصف لونا ما حدث بأنه أشبه بالموت المؤقت، حيث شعرت وكأنها انفصلت عن جسدها، ورأت الكون والكواكب، وتواصلت مع "المصدر" أو "الخالق" كما عبرت. هذه التجربة العميقة جعلتها تعيد التفكير في معتقداتها الدينية، وتؤمن بأن هناك قوة أو طاقة خفية تحيط بالإنسان، وأن الخالق دائمًا حاضر، وليس بعيدًا كما يصور في بعض الأديان.

التحولات الفكرية بعد التجربة

بعد هذه الحادثة، بدأت لونا تلاحظ تغيرات في وعيها وإدراكها للعالم من حولها. أصبحت ترى أشياء لا يراها الآخرون، وتشعر بتواصل مع أرواح أقاربها المتوفين، وتفسر ذلك بأنه نوع من الانفتاح الروحي أو الحسي الذي اكتسبته بعد التجربة. كما بدأت تتساءل عن فكرة الحياة السابقة والتقمص، لكنها لم تعطِ لهذه الأفكار أهمية كبيرة، معتبرة أن الأهم هو الحاضر وكيفية عيش الإنسان لحياته الآن.

الدين والهوية في المهجر

قبل هذه التجربة، كانت لونا تعتبر نفسها مسلمة، لكنها بعد ما مرت به، بدأت تصف نفسها بأنها تحمل نسخة "مطورة" من الإسلام، أو حتى بأنها تجمع بين عدة أفكار دينية وفلسفية. ترى أن كل الأديان في جوهرها تدعو للخير، وأن الخالق واحد مهما اختلفت المسميات، وترفض رفضًا قاطعًا إقصاء أو كراهية أتباع الديانات الأخرى.

هذه الأفكار أثارت نقاشًا حادًا مع بعض المشاركين في الحوار، خاصة من ذوي الخلفية الإسلامية المحافظة، الذين أكدوا أن التجربة التي مرت بها لونا لا يمكن اعتبارها دليلاً على صحة معتقداتها الجديدة، وأن العودة إلى الأصول الدينية والتمسك بالقرآن والسنة هو الطريق الصحيح. كما أشاروا إلى أن بعض الممارسات الروحية المنتشرة في الغرب، مثل العلاج بالطاقة أو التواصل مع الأرواح، لا تستند إلى أساس علمي أو ديني معتبر.

المجتمع الدنماركي: تقبل الاختلاف وحرية المعتقد

تصف لونا المجتمع الدنماركي بأنه مجتمع علماني، يحترم حرية المعتقد، ولا يتدخل في شؤون الأفراد الدينية. ترى أن هذا التقبل ساعدها على اكتشاف ذاتها وتطوير أفكارها بعيدًا عن القيود الاجتماعية والدينية الصارمة. كما تشير إلى أن الدنمارك تهتم بالصحة الجسدية والنفسية، وتشجع على استخدام الوسائل الطبيعية والبدائل الصحية قبل اللجوء إلى الطب التقليدي، لكنها تؤكد أن الطب الحديث متقدم جدًا ويعتمد على أسس علمية صارمة.

وتوضح أن بعض المراكز التي تقدم العلاج بالطاقة أو الممارسات الروحية الأخرى موجودة بالفعل في الدنمارك، لكنها ليست جزءًا من النظام الصحي الرسمي، بل تعتبر خيارات شخصية للأفراد.

العلم والتجارب الروحية: رؤية نقدية

شارك في الحوار بعض الأطباء والمتخصصين، مؤكدين أن تجارب الاقتراب من الموت غالبًا ما تكون نتيجة لتغيرات فيزيولوجية في الدماغ بسبب نقص الأكسجين أو هبوط ضغط الدم، مما يؤدي إلى الهلوسة أو رؤية أشياء غير واقعية. وأشاروا إلى أن مثل هذه التجارب لا يمكن اعتبارها دليلاً علميًا على وجود حياة بعد الموت أو تواصل مع أرواح أخرى.

كما أوضحوا أن العلاج بالطاقة والممارسات الروحية الأخرى لم تثبت فعاليتها علميًا، ولا توجد أدلة على وجود "عضو" في الجسم يستقبل أو يرسل الطاقة كما يدعي البعض. وأكدوا أن فتح مراكز للعلاج بالطاقة في بعض الدول الأوروبية لا يعني بالضرورة اعترافًا علميًا بها، بل هو جزء من حرية التجربة الشخصية ما دامت لا تضر بالمجتمع.

التغيرات النفسية والاجتماعية للمهاجرين

ناقش المشاركون أيضًا تأثير الهجرة والعيش في المجتمعات الغربية على الهوية الدينية والثقافية للمهاجرين العرب. أشار البعض إلى أن الصدمات النفسية، وضغوط الغربة، والانبهار بالحريات الغربية، قد تدفع بعض الأفراد إلى إعادة النظر في معتقداتهم أو حتى التخلي عنها. كما حذروا من خطورة الانسياق وراء الأفكار أو الممارسات التي تتعارض مع الأصول الدينية، مؤكدين على أهمية التوازن بين الانفتاح الفكري والتمسك بالقيم الأساسية.

احترام الآخر وحدود التقبل

أثار النقاش أيضًا موضوع احترام الآخر وتقبل الاختلاف. اتفق الجميع على ضرورة احترام الإنسان بغض النظر عن دينه أو معتقده، لكنهم اختلفوا حول مدى قبول الأفكار أو السلوكيات التي تتعارض مع الفطرة أو المبادئ الدينية. شدد بعض المتحدثين على أن احترام الشخص لا يعني بالضرورة احترام معتقداته إذا كانت تتعارض مع القيم الجوهرية، وأن التقبل يجب أن يكون له حدود واضحة.

خلاصة وتوصيات

تجربة لونا تسلط الضوء على تعقيدات التفاعل بين التجربة الشخصية، والدين، والعلم، والمجتمع. فهي مثال حي على كيف يمكن لتجربة فردية أن تعيد تشكيل القناعات والهويات، خاصة في بيئة منفتحة ومتنوعة ثقافيًا ودينيًا.

من المهم للمتعلمين والباحثين في هذا المجال أن يدركوا أن:

  • التجارب الشخصية قوية ومؤثرة، لكنها ليست دائمًا دليلاً علميًا أو دينيًا قاطعًا.
  • الانفتاح على الآخر وتقبل الاختلاف ضروريان في المجتمعات الحديثة، لكن مع الحفاظ على المبادئ والقيم الأساسية.
  • العلم والدين ليسا في صراع دائم، بل يمكن أن يكمل أحدهما الآخر إذا تم التعامل مع كل منهما بعقلانية واحترام.
  • النقد الذاتي والتحليل المنطقي ضروريان لفهم التجارب الشخصية وعدم الانسياق وراء التفسيرات السطحية أو غير المدعومة بالأدلة.
  • الهجرة والعيش في بيئة جديدة قد يؤديان إلى تغيرات فكرية ونفسية عميقة، وعلى الأفراد أن يكونوا واعين لهذه التأثيرات وأن يسعوا لتحقيق التوازن بين الانفتاح والتمسك بالهوية.

في النهاية، يبقى البحث عن الحقيقة رحلة شخصية وفكرية مستمرة، تتطلب شجاعة في التساؤل، وصدقًا مع الذات، وانفتاحًا على الحوار مع الآخرين.

https://www.youtube.com/watch?v=OeCn1zPipDU

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك