تجربة شخصية مع تطوير الذات: بين العزلة والعودة للوعي
في السنوات الأخيرة، انتشرت مفاهيم تطوير الذات والتنمية البشرية بشكل واسع، وأصبحت تجذب الكثير من الشباب الباحثين عن تحسين حياتهم وتحقيق طموحاتهم. ولكن
في السنوات الأخيرة، انتشرت مفاهيم تطوير الذات والتنمية البشرية بشكل واسع، وأصبحت تجذب الكثير من الشباب الباحثين عن تحسين حياتهم وتحقيق طموحاتهم. ولكن خلف هذه الشعارات البراقة، قد يختبئ جانب مظلم لا ينتبه له الكثيرون إلا بعد فوات الأوان. في هذا المقال، نسلط الضوء على تجربة شخصية واقعية، تروي رحلة شاب دخل عالم تطوير الذات، وما ترتب على ذلك من آثار نفسية واجتماعية، وصولاً إلى لحظة العودة والوعي.
بداية الطريق: بحث عن الذات أم ضياع؟
بدأت القصة عندما التحق صاحب التجربة بعدة جامعات، لكنه لم يجد نفسه في أي منها. شعر أن ما يفعله ليس نابعًا من استحقاق حقيقي أو رسالة شخصية، بل مجرد محاولة لإرضاء الآخرين أو السير مع التيار. استمر هذا الشعور حتى وجد نفسه منجذبًا إلى عالم تطوير الذات، ظنًا منه أنه سيجد فيه ضالته ويحقق ذاته.
الآثار السلبية: عزلة وفقدان العلاقات
مع مرور الوقت، بدأت تظهر آثار سلبية واضحة على حياته. فقد تدهورت علاقته مع والدته إلى ما دون الصفر، وانقطعت علاقاته مع الأصدقاء، وأصبح يشعر بعزلة خانقة رغم أنه كان شخصًا اجتماعيًا بطبعه. لم يعد يثق بأحد، ودخل في دائرة من الشك والارتياب بكل من حوله.
تعمق أكثر في بعض المفاهيم مثل "الاستحقاق" و"الطاقة"، وبدأ يشكك في الكثير من الثوابت الدينية والاجتماعية. حتى علاقته مع القرآن والسنة تغيرت، وصار يفسر النصوص حسب فهمه الشخصي، وابتعد عن التقاليد والمجتمع.
برمجة العقل والعزلة النفسية
من أخطر ما واجهه في هذه المرحلة هو الشعور بأنه لم يعد يتحكم في نفسه، وأنه أصبح مغيبًا عن الواقع. لم يكن يستجيب لوالدته، بل كان يبتعد عنها وعن عائلته، ويفضل العزلة التامة. حتى عندما كان يحاول التحدث مع أحد الأصدقاء، كان ذهنه مشوشًا وغير قادر على التركيز أو التواصل بشكل طبيعي.
تحدث أيضًا عن كيف أن بعض مدارس تطوير الذات تعتمد على عزل الفرد عن عائلته وأصدقائه، ليصبح أكثر قابلية للبرمجة وغرس أفكار جديدة في عقله. كان يشعر بثقل في رأسه، وتغير في شخصيته، حتى أصبح يلاحظ هو ومن حوله أنه لم يعد كما كان.
الآثار النفسية والجسدية
لم تقتصر الآثار على الجانب النفسي فقط، بل امتدت لتشمل الجانب الجسدي أيضًا. فقد عانى من اضطرابات في الجهاز الهضمي، وشعر بتغيرات في جسده بسبب الضغط النفسي والعزلة. حتى بعد خروجه من هذه الدائرة، ظل يعاني من صعوبة في التواصل الاجتماعي، ولم يعد قادرًا على الحديث مع الآخرين بسهولة كما كان في السابق.
الوساوس والشكوك الدينية
من أخطر ما مر به هو الوساوس الدينية والوجودية. بدأ يشك في وجود الله، ويطرح على نفسه أسئلة وجودية معقدة، بل ووصل به الأمر إلى أن يقيس محبة الله له بأحداث يومية بسيطة، مثل نجاحه في أمر ما أو فشله فيه. كانت هذه الوساوس تلاحقه باستمرار، وتدفعه إلى الخوف من الصلاة أو أداء العبادات.
لحظة الإدراك والعودة
بعد سنوات من الضياع، جاءت لحظة الإدراك عندما قرأ أذكاره اليومية، وتوقف عند قول "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير". شعر حينها برعب شديد، وكأن صوتًا داخليًا يذكره بأن لا أحد يستطيع أن يضره إلا بإذن الله. بدأ يتساءل عن الإنجازات التي حققها خلال سنوات انشغاله بتطوير الذات، واكتشف أنه لم ينجز شيئًا يُذكر، بل خسر الكثير من علاقاته وأهمل عائلته.
كانت نقطة التحول الحقيقية عندما استمع إلى تجارب أشخاص مروا بنفس الظروف، ووجد أنهم يعانون من نفس المشكلات ويشعرون بنفس الضياع. هذا الوعي الجماعي ساعده على استعادة وعيه والعودة تدريجيًا إلى حياته الطبيعية.
الدروس المستفادة: كيف نحمي أنفسنا؟
من خلال هذه التجربة، يمكن استخلاص عدة دروس مهمة:
- الوعي الذاتي: من الضروري أن يكون الإنسان واعيًا لأفكاره ومشاعره، وألا ينجرف وراء الشعارات دون تمحيص.
- أهمية العلاقات الأسرية: العائلة هي السند الحقيقي في الحياة، وأي توجه أو فكرة تدعو إلى قطع العلاقات أو العزلة يجب الحذر منها.
- التمييز بين التنمية الحقيقية والوهمية: ليس كل ما يندرج تحت مسمى "تطوير الذات" مفيد أو آمن. يجب البحث عن المصادر الموثوقة والتأكد من صحة المعلومات.
- الاستعانة بالله والثبات على المبادئ: مهما واجه الإنسان من شكوك أو وساوس، عليه أن يتمسك بإيمانه ويطلب العون من الله.
- طلب المساعدة عند الحاجة: لا عيب في طلب المساعدة من المختصين أو من أشخاص مروا بنفس التجربة.
خاتمة
تجربة صاحب القصة تذكرنا بأن البحث عن الذات وتحقيق الطموحات يجب أن يكونا ضمن إطار من الوعي والاتزان، وألا نسمح لأي فكرة أو توجه أن يعزلنا عن أنفسنا أو عن من نحب. تطوير الذات الحقيقي يبدأ من الداخل، من فهم النفس وقبولها، وليس من الانسياق وراء أفكار قد تؤدي بنا إلى الضياع.
https://www.youtube.com/watch?v=qpr-sMUEA8U