تجربتي مع التنمية البشرية وعلوم الطاقة: رحلة 11 سنة بين الأوهام واليقين
في السنوات الأخيرة، انتشرت بشكل واسع مفاهيم التنمية البشرية وعلوم الطاقة، وأصبحت الدورات والبرامج المتعلقة بها تجذب الكثيرين، خاصة من يبحثون عن حلول ل
مقدمة
في السنوات الأخيرة، انتشرت بشكل واسع مفاهيم التنمية البشرية وعلوم الطاقة، وأصبحت الدورات والبرامج المتعلقة بها تجذب الكثيرين، خاصة من يبحثون عن حلول لمشاكلهم النفسية والاجتماعية أو حتى الصحية. في هذا المقال، أشارككم تجربتي الشخصية التي امتدت لأكثر من 11 سنة في هذا المجال، بدءًا من الفضول والرغبة في التطوير الذاتي، وانتهاءً بالعودة إلى الجذور واليقين الديني بعد رحلة طويلة من التساؤلات والمعاناة.
البدايات: شغف التفسير والبحث عن الذات
بدأت رحلتي منذ طفولتي، فقد كنت أحب قراءة قصص الأنبياء وتفسير القرآن، وأحرص على أداء الصلاة وتدبر آيات الله. كنت أستمع إلى علماء معروفين مثل الدكتور زغلول النجار والدكتور الكحيل، وأجد في التفسير والتدبر راحة وسكينة.
لكن مع بلوغي سن السادسة عشرة، بدأت أسمع عن التنمية البشرية، ولفت انتباهي أحد المدربين المشهورين في هذا المجال. دخلت عالم التنمية البشرية وأنا أظن أنني سأجد فيه حلولًا لمشاكل الحياة، لكنني مع الوقت شعرت أنني أبتعد تدريجيًا عن روحانيتي وخشوعي في الصلاة، وبدأت مفاهيمي الدينية تتغير.
الانجراف نحو الدورات والطاقة
مع مرور الوقت، بدأت أتابع دورات عديدة، بعضها مجاني وبعضها مدفوع، حتى أنني حضرت قرابة عشرين دورة في مجالات متعددة مثل "تنظيف الطفل الداخلي" و"الوعي الزواجي" و"الثراء المالي". كانت الدورات تقدم نظريات عن تحرير الصدمات النفسية من الطفولة، وأن كل ما نمر به اليوم سببه صدمات لم تُحل في السنوات الأولى من العمر.
في إحدى الدورات، تم إقناعي بأن عليّ حضور جلسة "تنظيف الطفل الداخلي" بشكل حضوري، فذهبت إلى إحدى المعالجات في الرياض. كانت الجلسة عبارة عن غرفة مظلمة، موسيقى هادئة، تمارين تنفس، وطلب مني أن أسترجع ذكريات الطفولة وأفرغ مشاعري بالبكاء. بعد الجلسة، شعرت بتعب نفسي وجسدي شديد، ودامت هذه الحالة لأيام.
التعمق في علوم الطاقة
لم أكتفِ بذلك، بل تعمقت أكثر في دورات مثل "البوابات الثمانية" و"تحرير الصدمات"، وتعرفت على مفاهيم مثل "الفنك شوي" و"الأكسس بارز". كنت أظن أنني أحرر نفسي من القيود وأحقق الثراء والنجاح، لكن الحقيقة أنني كنت أزداد بعدًا عن نفسي وعن ديني.
في إحدى المرات، نصحتني إحدى الصديقات بجلسة "أكسس بارز"، وكنت مترددة بين الحضور والخوف من الوقوع في الشرك أو التعامل مع الدجل. وفي لحظة حاسمة، وجدت بثًا لأحد المشايخ يوضح أصل هذه العلوم وأنها مرتبطة بالسحر والشعوذة، فقررت التوقف فورًا والتوبة إلى الله.
العودة إلى الطريق الصحيح
بعد 11 سنة من الانغماس في التنمية البشرية وعلوم الطاقة، أدركت أنني خسرت كثيرًا على المستوى الروحي والاجتماعي والمادي. فقدت لذة قراءة القرآن، وأصبحت صلاتي بلا خشوع، وتغيرت مفاهيمي الدينية بشكل سلبي. كما أنني أنفقت مبالغ طائلة على دورات لم أجد منها فائدة حقيقية، بل زادت من معاناتي النفسية والجسدية.
بل وتعرضت لمشاكل صحية خطيرة، حيث أصبت بصداع شديد استمر لأكثر من شهر ونصف، واكتشف الأطباء وجود نزيف دماغي وتشوه شرياني، وهو ما جعلني أعود للتفكير في معنى الحياة وأهمية الدين في مواجهة الابتلاءات.
النتائج: هل كانت هناك إيجابيات؟
حين يُسأل عن الإيجابيات بعد كل هذه السنوات، أجد أن كل ما شعرت به من تحسن كان مؤقتًا وسطحيًا، مثل شعور بالاسترخاء بعد جلسة أو قراءة كتاب. أما السلبيات، فهي كثيرة وخطيرة:
- خسارة العقيدة: دخلت في مفاهيم شركية وابتعدت عن التوحيد.
- تدهور العبادة: فقدت الخشوع في الصلاة ولذة قراءة القرآن.
- العزلة الاجتماعية: ابتعدت عن أسرتي ومجتمعي، وكنت أعيش في عالم مغلق من الدورات والجلسات.
- المعاناة النفسية والجسدية: تعرضت لأزمات صحية ونفسية لم أجد لها حلًا حقيقيًا في هذه العلوم.
- خسارة المال والوقت: أنفقت آلاف الريالات على دورات لم تحقق لي السعادة أو النجاح الحقيقي.
- تأثير سلبي على الأبناء: كنت أخشى أن أكون سببًا في ضياع أبنائي إذا استمررت في هذا الطريق.
نصيحتي للآخرين
أوجه رسالتي خاصة للأمهات والنساء، لأننا غالبًا ما نكون أكثر عرضة للاستدراج في هذه المجالات بحكم العاطفة والرغبة في الإصلاح. لا تبحثوا عن حلول خارج دينكم، فكل ما تحتاجونه من سكينة وطمأنينة موجود في القرآن والسنة. لا تكونوا سببًا في ضياع أبنائكم أو ابتعادهم عن الدين بسبب مفاهيم دخيلة.
تذكروا أن الدين كامل، ولا يحتاج لإضافات أو بدع. كل من يبحث عن السعادة أو النجاح سيجدها في القرب من الله، وفي الرضا بقضائه وقدره، لا في دورات أو جلسات مشبوهة.
الخلاصة
رحلتي في التنمية البشرية وعلوم الطاقة كانت مليئة بالأوهام والخسائر، لكنني أحمد الله أنني عدت إلى الطريق الصحيح. أنصح كل من يقرأ هذا المقال أن يتعلم من تجربتي، وأن يحذر من الانجراف وراء الدعايات البراقة التي قد تودي بالإنسان إلى الضياع الديني والنفسي والاجتماعي.
أسأل الله لنا جميعًا الثبات والهداية، وأن يرزقنا السعادة والطمأنينة في الدين والدنيا.
شاركوا هذا المقال مع من تحبون، فقد يكون سببًا في إنقاذ شخص من رحلة طويلة من الضياع.
https://www.youtube.com/watch?v=pGgsqTqFY-w