دم الحيض والدورة الشهرية بين فلسفات الوعي والطاقة والتأصيل العلمي

مقدمة

يُعد موضوع دم الحيض والدورة الشهرية من المواضيع التي حظيت باهتمام كبير في مختلف الثقافات والفلسفات، خاصة في العصر الحديث مع انتشار مدارس الوعي والطاقة. في هذا المقال، نستعرض كيف تناولت بعض الفلسفات الشرقية والغنوصية موضوع دم الحيض، ونقارن ذلك بالتأصيل العلمي والشرعي في الإسلام، مع توضيح المخاطر المرتبطة ببعض الممارسات المنتشرة حديثًا.

فلسفات الوعي والطاقة: دم الحيض بين القداسة والرمزية

الجذور العقائدية

ترى بعض الطوائف الهندوسية، ومعظم الطوائف البوذية والغنوصية (الكابالا)، أن دم الحيض يحمل طاقة وقداسة خاصة. ويُعتقد في هذه الفلسفات أن الرحم هو معبد مقدس، وأن دم الحيض يمثل قوة تجديدية مرتبطة بالآلهة الأنثوية مثل "شاكتي" و"عشتار" و"سيليني" و"أوزيريس". ويُنسب للرحم في هذه العقائد أنه مصدر الخلق وسر الكائنات، ويُنظر إلى الدورة الشهرية كدورة مقدسة تعبر عن قوة الحياة والتجدد.

الممارسات الروحية والسحرية

في مدارس الطاقة والوعي، يُشجع البعض النساء على ممارسة طقوس روحية خلال فترة الحيض، مثل التأمل أو تقديم الدم كقربان، أو حتى استخدامه في كتابة رموز وأكواد على الجسد أو الورق. وتُروج بعض المدربات لفكرة أن دم الحيض طاهر ويحمل "شفرات الوعي الكوني" و"الهندسة المقدسة"، بل ويُنصح أحيانًا باستخدامه في أقنعة الوجه أو سقي النباتات به بدعوى زيادة الخصوبة.

رمزية الدم في الطقوس القديمة

في الحضارات القديمة، كان دم الحيض يُستخدم في طقوس الخصوبة والاتصال بالأرض، حيث يُعاد الدم إلى التربة لتعزيز التواصل مع الطبيعة الأنثوية. كما ارتبطت الدورة الشهرية بالقمر، واعتُبرت النساء في أوقات الحيض أكثر اتصالًا بالطبيعة والطاقات الكونية.

مخاطر الممارسات الحديثة باسم الوعي والطاقة

تمرير معتقدات وثنية

يرى بعض الباحثين أن الترويج لفكرة قداسة دم الحيض في دورات الوعي والطاقة ليس مجرد اختلاف فقهي أو تأويل ديني، بل هو تمرير لمعتقدات وثنية قديمة، تهدف إلى إعادة إحياء عبادة الآلهة الأنثوية و"الأم الأرض" تحت غطاء التطور والتحرر.

طقوس خطيرة

تتضمن بعض الممارسات الحديثة طقوسًا خطيرة مثل:- رسم رموز وأكواد بدم الحيض على الجسد أو الورق.- شرب دم الحيض أو استخدامه في طقوس جنسية أو روحية.- تشجيع العلاقات الحميمة أثناء الحيض بحجة توازن الطاقة.- استخدام دم الحيض في أقنعة الوجه أو كعلاج للطاقة السلبية.

هذه الممارسات قد تؤدي إلى أضرار صحية ونفسية، بالإضافة إلى مخالفتها للتعاليم الدينية والأخلاقية.

التأصيل العلمي والشرعي في الإسلام

الرؤية الطبية

من الناحية الطبية، دم الحيض هو دم طبيعي يخرج من الرحم نتيجة دورة شهرية منتظمة، ويُعد من وظائف الجسد الطبيعية للمرأة. لا يحمل هذا الدم أي طاقة خارقة أو رمزية روحية كما تدعي بعض الفلسفات، بل هو جزء من النظام البيولوجي للمرأة.

الأحكام الشرعية

في الإسلام، هناك أحكام واضحة تتعلق بالحيض، منها:-تحريم الصيام والصلاة على الحائض: المرأة في فترة الحيض لا تصوم ولا تصلي، وتقضي الصيام بعد انتهاء الدورة دون قضاء الصلاة، كما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها.-تحريم الجماع أثناء الحيض: لا يجوز للرجل معاشرة زوجته أثناء الحيض حتى تطهر.-تحريم شرب الدم: شرب الدم محرم شرعًا، ولا يجوز استخدامه لأي غرض علاجي أو روحي.-الطهارة: دم الحيض يُعد من النجاسات، ويجب على المرأة الاغتسال بعد انتهاء الدورة للعودة إلى ممارسة العبادات.

الحكمة من الأحكام

الحكمة من هذه الأحكام هي التيسير والرحمة بالمرأة، نظرًا لما يسببه الحيض من ضعف جسدي ونفسي. كما أن هذه الأحكام تحفظ كرامة المرأة وصحتها، وتمنع عنها الممارسات الضارة التي قد تنتشر تحت مسمى التطور أو التحرر.

كيف يتم الترويج لهذه الأفكار؟

يتم الترويج لفكرة قداسة دم الحيض عبر وسائل التواصل الاجتماعي ودورات الوعي والطاقة، من خلال:- مشاركة قصص وتجارب شخصية حول "التصالح مع الجسد".- تشجيع الفتيات على تجاوز "العار" المرتبط بالحيض.- تقديم طقوس جديدة باسم "رفع الوعي" و"التحرر من الموروث الديني".- استخدام صور وأمثلة تطبيقية مثل أقنعة الوجه بدم الحيض أو سقي النباتات به.

الخلاصة: التوازن بين العلم والدين

من المهم أن نميز بين احترام الجسد وفهم وظائفه الطبيعية، وبين الانجرار وراء أفكار وممارسات لا أساس لها من الصحة العلمية أو الشرعية. الحيض ظاهرة طبيعية، والحديث عنه يجب أن يكون مبنيًا على العلم والدين، لا على فلسفات دخيلة قد تضر بالصحة الجسدية والنفسية، وتخالف القيم الدينية والأخلاقية.

نصيحة للمتابعين

احرصوا على التحقق من مصادر المعلومات، واستشيروا أهل العلم والاختصاص في الأمور الصحية والدينية. لا تنجرفوا وراء ممارسات قد تبدو "تحررية" أو "عصرية" لكنها في حقيقتها تحمل مخاطر كبيرة على الفرد والمجتمع.

مصادر موثوقة لمزيد من القراءة

• موقع الإسلام سؤال وجواب
• الهيئة العامة للغذاء والدواء
• منظمة الصحة العالمية

حفظ الله الجميع من كل شر، ووفقنا للعلم النافع والعمل الصالح.