🔵 تأصيل 1 : حساب الجمل وأسرار العدد بترديد آية أو ذكر أو إسم من أسماء الله الحسنى بالنورانية
في السنوات الأخيرة، انتشرت بين الناس ممارسات تعتمد على تكرار الأذكار والآيات أو أسماء الله الحسنى بعدد معين، بزعم تحقيق أسرار خفية أو جلب الرزق أو الش
حساب الجمل وأسرار العدد: بين الخرافة والحقيقة الشرعية
مقدمة
في السنوات الأخيرة، انتشرت بين الناس ممارسات تعتمد على تكرار الأذكار والآيات أو أسماء الله الحسنى بعدد معين، بزعم تحقيق أسرار خفية أو جلب الرزق أو الشفاء، مستندين إلى ما يُعرف بـ"حساب الجمل" أو "علم الأرقام النوراني". فما حقيقة هذه الممارسات؟ وما أصلها؟ وهل لها سند شرعي في الإسلام؟ هذا المقال يسلط الضوء على هذه الظاهرة، ويكشف جذورها، ويحذر من مخاطرها، ويوضح الموقف الشرعي منها.
ما هو حساب الجمل؟
حساب الجمل هو نظام قديم يُعطي لكل حرف قيمة رقمية محددة، ويُستخدم لترميز الكلمات والأسماء وتحويلها إلى أرقام. نشأ هذا النظام في حضارات قديمة كالبابلية والقبّالية اليهودية، حيث كان يُعتقد أن للأرقام والحروف طاقة روحية وسرًا كونيًا، وأنها وسيلة للتواصل مع العالم الغيبي أو استجلاب قوى خارقة.
في حساب الجمل العربي، تُرتب الحروف وفق نظام "أبجد هوز حطي كلمن" وتُعطى أرقامًا من 1 حتى 1000، ثم تُجمع قيم الحروف في الكلمة أو الاسم للحصول على رقم يُعتقد أنه يحمل دلالة روحية أو تأثيرًا معينًا.
الجذور التاريخية والفكرية
1.القبّالة اليهودية والسحر البابلي
نشأ حساب الجمل في القبّالة اليهودية، حيث اعتُبر الرقم والحرف وسيلة لاكتساب أسرار جديدة من العالم الروحي. ثم انتقل هذا الفكر إلى بعض الفرق الصوفية والفاطميين، الذين استخدموه في تفسير القرآن والأذكار، وابتكروا ما يُسمى "السحر الأبيض" و"السحر المفيد".
2.المدرسة النورانية والتصوف
اعتمدت المدرسة النورانية، التي ظهرت في بعض التيارات الصوفية، على فلسفة الأرقام والحروف، وربطتها بتقسيم أسماء الله الحسنى والآيات والسور إلى عناصر كيميائية (نارية، ترابية، مائية، هوائية)، وزعمت أن لكل اسم أو آية خادمًا من الجن أو "ملكًا نورانيًا" يُستدعى بتكرار الذكر بعدد معين وفي أوقات محددة.
3.تأثير الفلسفات الشرقية
تأثرت هذه المدرسة أيضًا بالفكر الهندوسي والبوذي، حيث نجد تشابهًا في مفاهيم الطاقة والشاكرات وشحن الأحجار وربطها بالأرقام والحروف.
كيف يُستخدم حساب الجمل في الممارسات الروحانية؟
- تحديد عدد التكرار:يُؤخذ اسم أو ذكر أو آية، وتُحسب قيمتها العددية بحساب الجمل، ثم يُطلب من الشخص تكرارها بعدد مطابق أو مضاعف لهذه القيمة، بزعم تحقيق غرض معين (رزق، شفاء، جلب محبة، إلخ).
- ربط الحروف بالعناصر:تُقسم الحروف والأسماء إلى عناصر (ناري، ترابي، مائي، هوائي)، ويُقال إن توافق اسمك مع عنصر الذكر شرط لتحقيق التأثير.
- تخصيص أوقات وأحجار وبخور:تُحدد أوقات معينة للذكر، ويُستخدم البخور أو الأحجار بزعم "تفعيل الطاقة".
- استدعاء "خدام" الآيات والأسماء:يُزعم أن لكل آية أو اسم خدامًا من الجن أو الملوك النورانيين، يُستحضرون بالتكرار العددي.
- استخدام الأكواد الكونية:انتشرت أيضًا فكرة "الأكواد الكونية" أو "الشفرات الرقمية"، حيث يُعطى رقم معين يُعلق في المحل أو يُردد لجلب الرزق أو حل المشكلات.
الموقف الشرعي: عبادة توقيفية وبدعة مرفوضة
1.العبادات في الإسلام توقيفية
أي عبادة أو ذكر أو دعاء يجب أن يكون له دليل شرعي واضح من القرآن أو السنة أو إجماع العلماء. لا يجوز ابتداع عبادة أو تحديد عدد أو كيفية أو وقت للذكر إلا بدليل.
2.أنواع الأذكار
- الأذكار المقيدة:التي وردت بنص شرعي بعدد أو وقت معين (مثل أذكار الصباح والمساء)، لا يجوز الزيادة أو النقصان فيها.
- الأذكار المطلقة:التي لم يُحدد لها عدد أو وقت، يجوز الإكثار منها دون تقييد.
تقييد الذكر المطلق بعدد معين بلا دليل هو بدعة، وتحويل الذكر إلى تميمة أو وسيلة لاستدعاء الجن أو تحقيق أغراض دنيوية هو منكر.
3.تحذير من تحريف القرآن
تكرار آية أو كلمة داخل السورة بعدد معين لم يرد به نص شرعي يُعد تحريفًا للقرآن، وقد يُحول الذكر إلى قربان شيطاني أو وسيلة لاستجلاب الجن.
مخاطر هذه الممارسات
- الانحراف عن التوحيد:تحويل الذكر والقرآن إلى وسيلة لاستدعاء الجن أو تحقيق أغراض دنيوية يوقع في الشرك والبدعة.
- الاضطرابات النفسية والعقلية:كثير ممن مارسوا هذه الرياضات الروحانية أصيبوا باضطرابات نفسية أو عقلية، وفقدوا الاتزان.
- ضياع العقيدة:الانشغال بهذه الممارسات يبعد المسلم عن الفهم الصحيح للدين، ويوقعه في الخرافة والشعوذة.
- استغلال البسطاء:يستغل بعض مدعي الروحانيات حاجة الناس وضعفهم، ويبيعون لهم أكوادًا وأرقامًا بزعم تحقيق الأمنيات.
الرد على الشبهات
- "لماذا حدد النبي عددًا معينًا للذكر؟"لأن العبادات توقيفية، والمسلم مأمور بالسمع والطاعة، وليس من حقه الاعتراض أو التغيير.
- "أنا أكرر كلام الله، فما المشكلة؟"المشكلة في تقييد الذكر بعدد أو كيفية أو وقت لم يرد به نص شرعي، وتحويله إلى وسيلة لاستدعاء الجن أو تحقيق أغراض خفية.
- "هذه مجربات، ونجحت معي!"ليس كل ما يُجرب ويُحقق نتيجة يكون مشروعًا، فقد يكون من تزيين الشيطان، أو من باب الاستدراج.
خلاصة القول
- حساب الجمل وأسرار العدد ليست من الدين في شيء، بل هي ممارسات دخيلة ذات جذور وثنية ويهودية وصوفية منحرفة.
- تقييد الذكر أو الآيات بعدد معين بلا دليل هو بدعة مرفوضة شرعًا، وتحريف للعبادة.
- الواجب على المسلم أن يلتزم بما ورد في القرآن والسنة، وألا ينخدع بالخرافات والأكواد والأسرار المزعومة.
- كل من يدعو لتكرار الأذكار أو الآيات بعدد معين دون دليل شرعي، فهو مبتدع أو دجال أو مستغل لحاجة الناس.
نصيحة للمسلمين
اقرأ القرآن كما أنزله الله، واذكر الله كما علمك النبي ﷺ، ولا تلتفت إلى من يروج للأرقام والأكواد والأسرار المزعومة. دينك واضح، وعبادتك لله خالصة، ولا يحتاج الله إلى أرقام أو أكواد أو وسطاء من الجن أو غيرهم. الزم السنة، واحذر البدعة، واحفظ دينك وعقيدتك.
"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"(حديث صحيح)
الحمد لله الذي عافانا من هذه البدع، ونسأل الله أن يثبتنا على الصراط المستقيم.