🔵 تأصيل 2 : الطاقة النورانية وتطابقها مع الهندوسية والقابلا
في السنوات الأخيرة، انتشرت مفاهيم مثل "الطاقة النورانية" و"العلاج بالطاقة" و"الوعي الكوني" بين الناس، وأصبحت تُعرض أحيانًا بلباس ديني أو روحي، وتُربط
الطاقة النورانية: جذورها، تشابهاتها مع الهندوسية والكابالا، وحقيقتها في ضوء الإسلام
مقدمة
في السنوات الأخيرة، انتشرت مفاهيم مثل "الطاقة النورانية" و"العلاج بالطاقة" و"الوعي الكوني" بين الناس، وأصبحت تُعرض أحيانًا بلباس ديني أو روحي، وتُربط بمصطلحات إسلامية أو علمية. لكن ما حقيقة هذه المفاهيم؟ وما أوجه التشابه بينها وبين عقائد أخرى مثل الهندوسية والكابالا (القابالا)؟ وهل لها أصل في الإسلام؟ في هذا المقال، سنستعرض هذه الأسئلة ونكشف الجذور والمخاطر الكامنة خلف هذه الممارسات.
1. مجالس الذكر في الإسلام: المفهوم الصحيح
يؤكد العلماء أن مجالس الذكر – حتى خارج المساجد – تدخل في عموم حديث النبي ﷺ عن فضل الاجتماع لذكر الله وتدارس كتابه. فهذه المجالس تحفها السكينة والرحمة وتحضرها الملائكة، ويذكر الله أهلها في الملأ الأعلى. هذا المفهوم يختلف جذريًا عن التجمعات التي تروج لممارسات الطاقة أو التأمل الروحي المستورد من عقائد أخرى.
2. الرؤى والمنامات: ضوابط شرعية
كثيرًا ما يدّعي ممارسو الطاقة أو التأمل الروحي أنهم يرون أنبياء أو أولياء أو رموزًا دينية في مناماتهم أو أثناء جلسات التأمل. وهنا يوضح العلماء أن رؤية النبي ﷺ في المنام حق إذا كانت على صورته الحقيقية الثابتة في السنة، أما التشبهات أو تمثل الشيطان بصورة النبي أو غيره فهي خداع لا يُعتد به شرعًا. فالشياطين قد تتمثل حتى في صورة إله أو نبي، كما حدث مع الإمام عبد القادر الجيلاني حين رأى إبليس يدعي الألوهية.
3. التأمل (Meditation) في الإسلام: حقيقة أم دخيل؟
مصطلح "التأمل" كما يُمارس اليوم في مدارس الطاقة والهندوسية والبوذية، ليس له أصل في القرآن أو السنة. الإسلام يدعو إلى التفكر والتدبر في خلق الله، وهما مرتبطان بأشياء محسوسة وملموسة، وليس بخيالات أو استحضار صور وأرواح. أما التأمل بمعناه الغنوصي (Mystical Meditation) فهو دخيل على العقيدة الإسلامية، وهدفه صرف الناس عن التوحيد الخالص إلى عقائد باطنية غامضة.
4. التشابه بين الطاقة النورانية والهندوسية والكابالا
أ. الرموز والأشكال الهندسية
- النورانية: يستخدمون الأوفاق والأشكال الهندسية (مربعات، حروف، أرقام) كطلاسم لجلب النصر أو تيسير الأمور، ويزعمون أنها تجلب الطاقة الإيجابية.
- الهندوسية: لديهم أشكال هندسية مثل "المانديلا" و"الينترا"، وتستخدم في طقوس التأمل لجذب الطاقة الكونية.
- الكابالا: تعتمد على رموز وأرقام وحروف لها دلالات سحرية، وتستخدم لاستحضار قوى غيبية.
ب. استحضار الكواكب والكائنات الروحية
- النورانيون: يعتقدون أن للكواكب إدراكًا، ويقومون بطقوس لاستحضار "كائنات نورانية" (هي في حقيقتها شياطين)، ويستخدمون البخور والأذكار الخاصة.
- الهندوسية: يتعاملون مع "آلهة" وأرواح، ويقدمون القرابين ويستخدمون طقوسًا لجذب الطاقة.
- الكابالا: تعتمد على استحضار قوى روحية عبر طقوس وأذكار غامضة.
ج. الشاكرات والمقامات
- النورانية: يسمون مراكز الطاقة "مقامات"، ويزعمون أن ترقي السالك فيها يقوده إلى معرفة الله. لكل مقام ذكر ولباس وأكل معين.
- الهندوسية: لديهم سبع شاكرات رئيسية، مرتبطة بالكواكب والألوان والأطعمة والأذكار (المانترا).
- التشابه: كلا المدرستين تربطان بين ترقي الإنسان روحياً وبين فتح مراكز الطاقة للوصول إلى "الاتحاد مع الإله" أو "النور الإلهي".
د. التناسخ والاتحاد
- النورانية: يؤمنون بتناسخ الأرواح وتطورها للوصول إلى النور الإلهي.
- الهندوسية: تؤمن بدورة الحياة والموت (السمسارة) حتى تتحرر الروح وتصل إلى "الموكشا" (التحرر النهائي).
- الكابالا: لديها مفاهيم غنوصية حول اتحاد الروح مع النور الإلهي.
هـ. الطقوس السحرية
- النورانية والهندوسية والكابالا: جميعها تعتمد على طقوس فيها تلاوة ألفاظ غامضة، استحضار أرواح، استخدام البخور، الأطعمة النباتية، العزلة، وحتى ممارسات شاذة أحيانًا، بزعم التقرب من الإله أو تحقيق التوازن الروحي.
5. السحر والدين: علاقة تاريخية وخطورة معاصرة
يرتبط السحر تاريخيًا بالدين في العديد من الحضارات القديمة (السومرية، البابلية، الفرعونية، الإغريقية، الفينيقية...). في هذه الثقافات، كان الكهنة يمارسون السحر بزعم التقرب من الآلهة أو لجلب الخيرات أو دفع الشرور. ومع الوقت، تطورت طقوس السحر لتشمل التعامل مع العناصر الأربعة (الماء، النار، التراب، الهواء)، ثم النجوم والكواكب، وصولاً إلى التنجيم والفلسفات الباطنية.
واليوم، نجد أن مدارس الطاقة النورانية والكابالا والهندوسية تستند إلى نفس الجذور السحرية القديمة، لكنها تُقدم بلباس عصري وروحي لجذب الناس الباحثين عن الشفاء أو التطور الروحي.
6. خداع المصطلحات والخلط بين الدين والسحر
يلاحظ أن هذه المدارس تعتمد على خلط المصطلحات الدينية (نور، طاقة، شفاء، ذكر، مقامات...) مع طقوس سحرية أو باطنية. فيظن البعض أن هذه الممارسات جزء من الدين أو أنها لا تتعارض مع الإسلام، بينما هي في حقيقتها شرك بالله وتعدٍ على حدوده.
مثال على ذلك: الدعاء إلى الكواكب أو الاستعانة بها لجلب الرزق أو الحظ، كما في تعزيم "يا زحل أنت أشرف الكواكب وسيدها...". هذا شرك صريح، لأن الكواكب مخلوقات لا تضر ولا تنفع.
7. لماذا تنجذب الناس لهذه الممارسات؟
- السرعة في تحقيق الرغبات: بعض الناس يلجأون للسحر أو طقوس الطاقة لتحقيق أمنياتهم بسرعة، بدلًا من الصبر على الدعاء والعبادة.
- الانبهار بالكرامات والقدرات الخارقة: يُروج لهذه الممارسات على أنها تمنح قدرات خاصة أو شفاءً سريعًا أو قربًا من الله.
- الخلط بين الدين والعادات: كثير من الطقوس تُقدم بلباس إسلامي أو شرعي، مما يلبس على الناس البسطاء.
8. موقف الإسلام من السحر والطاقة النورانية
- تحريم السحر: السحر من الكبائر، وقد ورد في القرآن والسنة التحذير الشديد منه، واعتباره من أعمال الشيطان.
- التوحيد الخالص: الإسلام يدعو إلى عبادة الله وحده دون وساطة أو استعانة بكائنات أو طقوس غامضة.
- الشفاء بالرقية الشرعية: الشفاء في الإسلام يكون بالدعاء والرقية الشرعية المأخوذة من القرآن والسنة، وليس بطقوس الطاقة أو استحضار الأرواح.
9. نصيحة للباحثين عن الحقيقة
- ابحث في التاريخ والأديان: قبل أن تتبع أي ممارسة أو مدرسة روحية، ابحث في جذورها ومصادرها.
- تمسك بدينك: دينك هو عصمة أمرك، فلا تخلطه بممارسات باطنية أو شركية.
- لا تنخدع بالمصطلحات: ليس كل ما يُقال عنه "نوراني" أو "طاقي" أو "شفاء روحي" هو من الدين، بل قد يكون من تلبيس الشيطان.
خاتمة
الطاقة النورانية، كما تُروج اليوم، ليست إلا امتدادًا للفلسفات الباطنية والسحرية القديمة، وقد تم تغليفها بمصطلحات دينية أو علمية لخداع الناس. الإسلام دين واضح في عقيدته وعباداته، ولا يحتاج إلى طقوس غامضة أو استعانة بقوى مجهولة. فتمسكوا بدينكم، وكونوا على وعي وحذر من كل ما يخالف التوحيد الصافي.
"دينكم ثم دينكم ثم دينكم... فمن لم يعبد الله وحده فقد عبد الشيطان، والسحر من الشيطان."