🔵 تأصيل : فلسفة الديمتا في التأملات و الطاقة وكشف خبث طقوس المدربين
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من المفاهيم والممارسات الروحية المستوردة من الفلسفات الشرقية، مثل اليوغا، التأمل، وعلوم الطاقة، بين الشباب العربي وا
فلسفة الديمتا: بين التأملات والطاقة وكشف خبث طقوس المدربين
مقدمة
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من المفاهيم والممارسات الروحية المستوردة من الفلسفات الشرقية، مثل اليوغا، التأمل، وعلوم الطاقة، بين الشباب العربي والمسلمين. كثير من هذه المفاهيم تُقدَّم في قوالب تنمية بشرية أو تطوير ذاتي، وتُروج لها دورات ومدربين يدّعون القدرة على تحقيق "الاستنارة" أو "الوعي الأعلى". لكن خلف هذه الظواهر يكمن تاريخ طويل من الفلسفات الدينية الوثنية، خاصة في الهندوسية والبوذية، والتي تتعارض في جوهرها مع العقيدة الإسلامية.
في هذا المقال، سنسلط الضوء على ثلاث قواعد أساسية تشكل عماد هذه الفلسفات، ونكشف كيف يتم تمريرها للمجتمعات الإسلامية، وما هي المخاطر الكامنة وراءها.
القواعد الثلاث لفلسفات التأمل والطاقة
1. قاعدة "السمو الروحي" (أديات ميكو دهان)
هذه القاعدة تُعتبر حجر الأساس في الفلسفات الهندوسية، وانتقلت لاحقًا للبوذية وغيرها من الديانات الشرقية. جوهر هذه الفكرة أن الإنسان لا يمكن أن يترقى روحياً إلا من خلال:
- التصوف والزهد الشديد
- العزلة عن المجتمع
- تهذيب الخلق
- الاستنارة بالطاعة للآلهة أو "المعلم" (الغورو أو الكاهن)
يُطلب من الممارسين الصيام الروحي، والامتناع عن الطعام لفترات طويلة، والانخراط في جلسات تأمل مطولة. يروج المدربون لهذه القاعدة تحت مسميات مثل "الطاقة الإيجابية والسلبية" أو "الكارما"، ويحثون على التحرر من الماديات والعزلة عن المجتمع، بحجة الوصول إلى "السمو الروحي".
نقد إسلامي
هذه القاعدة ليست من الإسلام في شيء، بل تتعارض مع أصول العقيدة. فالإسلام لا يدعو إلى الزهد المبالغ فيه أو العزلة التامة، بل يحث على العمل، صلة الرحم، والاندماج الإيجابي في المجتمع. كما أن الطاعة المطلقة لا تكون إلا لله ورسوله، وليس لأي معلم أو كاهن.
2. قاعدة "التحرر الروحي" (أديات ميك موكتي)
تأتي هذه القاعدة لتكمل الأولى، حيث يُقال للممارس إنه لا يمكنه أن يتقدم خطوة في طريق "الاستنارة" إلا إذا تحرر روحياً، أي:
- التحرر من المعتقدات الدينية والموروثات المجتمعية
- التخلص من كل ما تعلمه في طفولته من قيم وأخلاق
- الاستسلام الكامل لتعاليم المعلم أو الطقوس دون نقاش
في هذه المرحلة يُطلب من المتعلم أن "يفرغ الكأس" (العقل)، أي أن يتخلى عن كل قناعاته السابقة ليُعاد برمجته بمعتقدات جديدة. يتم ذلك عبر جلسات تأمل طويلة، ترديد منترات (تعويذات)، أو حتى طقوس قد تصل إلى استحضار الأرواح.
نقد إسلامي
الإسلام دين قائم على العقل والفطرة، ويحث على طلب العلم والتفكر. أما الدعوة إلى إفراغ العقل من المعتقدات، فهي دعوة خطيرة تؤدي إلى ضياع الهوية الدينية والاجتماعية، وتفتح الباب أمام الأفكار الشاذة والبدع.
3. قاعدة "إفراغ الكأس" (ابكو ابنا كالي كرنا هوجا)
هذه القاعدة، المنتشرة في جميع مدارس الطاقة والتنمية البشرية، تعني أنه لكي تتعلم وتستفيد، يجب أن "تفرغ كأسك" أي عقلك من كل المعتقدات والموروثات، الدينية والمعرفية والمجتمعية. بعدها، يتم ملء هذا الفراغ بمفاهيم جديدة، غالباً ما تكون متأثرة بالفلسفات الشرقية أو حتى الشركية.
يتم ذلك عبر:
- التشكيك في مصادر الدين (القرآن، السنة، العلماء)
- إدخال التأويلات الباطنية والغنوصية للنصوص الدينية
- استبدال مفاهيم مثل التوكل بالدعاء إلى "الكون" أو "الطاقة"
- تهميش دور الأسرة والمجتمع، وتعظيم "الفردانية" و"التحرر"
نقد إسلامي
هذه القاعدة تهدف بشكل أساسي إلى تفريغ الإنسان من هويته الدينية والاجتماعية، ليكون أرضاً خصبة لأي فكرة دخيلة. في الإسلام، العقل أمانة، والموروث الديني والعلمي والاجتماعي هو جزء من هوية المسلم، ولا يجوز التفريط فيه لصالح أفكار غريبة أو طقوس مشبوهة.
فلسفة الديمتا: نصف الموروث القديم واستبداله بالجديد
من أخطر ما في هذه الفلسفات ما يسمى بـ"فلسفة الديمتا"، وهي تقوم على نسف نصف الموروث القديم (الديني والاجتماعي)، ثم إدخال موروث جديد يتناسب مع "درجة الوعي" التي يريدها المدرب أو المعلم. في هذه البيئة، يُمنع النقاش أو الاعتراض على المعلم، وتُعتبر كل تعاليمه "مسلمات باطنية" لا يجوز التشكيك فيها.
كيف يتم تمرير هذه القواعد في مجتمعاتنا؟
- الأسلمة الزائفة:يقوم بعض المدربين بخلط هذه الفلسفات بآيات قرآنية أو أحاديث نبوية، ليقنعوا المتلقين أنها متوافقة مع الإسلام، مستغلين الجهل أو ضعف العلم الشرعي.
- البرمجة العقلية:عبر جلسات التأمل الطويلة، التكرار، والعزلة، يتم برمجة العقل الباطن للممارس ليقبل هذه الأفكار تدريجياً.
- التشكيك في العلماء:يبدأ المدربون بالتشكيك في العلماء والمفسرين، ويحثون على تفسير النصوص الدينية بشكل شخصي وباطني.
- تعظيم الذات:يتم تضخيم فكرة أن الإنسان يملك طاقات خارقة أو قدرات كامنة، فقط عليه أن "يكتشفها" عبر هذه الطقوس، حتى يصل الأمر إلى تاليه النفس البشرية.
تناسخ الأرواح والكشف عن الحياة السابقة
من الأفكار الخطيرة التي يُروج لها في هذه الفلسفات، خاصة الهندوسية والبوذية، فكرة تناسخ الأرواح والحياة السابقة. يُقال للممارس إنه عاش حيوات سابقة، وأن عليه أن "يتحرر" من الكارما القديمة ليصل إلى الاستنارة. هذه الفكرة تتعارض كلياً مع العقيدة الإسلامية التي تؤمن بأن الإنسان يُبعث بعد الموت ليُحاسب على أعماله في الدنيا فقط، ولا يوجد شيء اسمه تناسخ الأرواح.
الرد الشرعي والعلمي
- العقيدة الإسلامية واضحة:الإنسان يُخلق مرة واحدة، يموت، ثم يُبعث يوم القيامة للحساب. لا يوجد في القرآن أو السنة ما يدل على تناسخ الأرواح أو الحياة السابقة.
- الكرامة بيد الله:الكرامات والمعجزات ليست في متناول أي شخص، ولا يمكن اكتسابها عبر طقوس أو تدريبات، بل هي منحة من الله للصالحين.
- الشفاء والبركة من الله:القرآن فيه شفاء وبركة، لكن الشفاء الحقيقي من الله، وليس عبر طقوس أو ترديدات أو طاقات مزعومة.
مخاطر هذه الفلسفات على الفرد والمجتمع
- ضياع الهوية الدينية:استبدال العقيدة الإسلامية بمفاهيم شركية أو باطنية.
- تفكك الأسرة والمجتمع:عبر الدعوة للعزلة، وقطع الروابط الأسرية بحجة "التحرر من الكارما".
- الانحراف الأخلاقي:تبرير المحرمات باسم "توأم الشعلة" أو "التحرر الروحي".
- الاستغلال المالي والنفسي:كثير من المدربين يستغلون المتلقين مادياً ونفسياً، ويوهمونهم بقدرات خارقة أو حلول سحرية لمشاكلهم.
كيف نحصّن أنفسنا وأبناءنا؟
- التمسك بالقرآن والسنة:فهم النصوص بفهم العلماء الثقات، وعدم الانجرار وراء التأويلات الباطنية.
- تعزيز الهوية الإسلامية:تعليم الأبناء العقيدة الصحيحة، والرد على الشبهات.
- الوعي بمخاطر هذه الفلسفات:نشر الوعي بين الشباب حول جذور هذه الممارسات وخطورتها.
- عدم الخوض في الغيبيات:الغيب لله وحده، ولا يجوز البحث عن "الحياة السابقة" أو "تناسخ الأرواح".
- الاستعانة بالله وحده:في الشفاء، والبركة، وتحقيق الأهداف، وليس عبر طقوس أو مدربين.
الخلاصة
فلسفات التأمل والطاقة واليوغا ليست مجرد تمارين أو وسائل للاسترخاء، بل تقف خلفها منظومات عقدية وفكرية خطيرة تتعارض مع الإسلام. القواعد الثلاث: السمو الروحي، التحرر الروحي، وإفراغ الكأس، هي أدوات لإعادة برمجة الإنسان وقطع صلته بدينه ومجتمعه. واجبنا كمسلمين أن نتمسك بديننا، ونحذر من هذه الأفكار، وننشر الوعي بين أبنائنا وبناتنا.
"تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنتي."— النبي محمد ﷺ
مصادر إضافية للقراءة
- حكم اليوغا والتأمل في الإسلام
- خطر الفلسفات الشرقية على العقيدة
- الرد على تناسخ الأرواح
ساهم في نشر الوعي. شارك هذا المقال مع من تحب.