هل نجاح تجربتك الطاقية مصدر للتشريع؟

**قراءة نقدية في تجارب الطاقة وقوانين الجذب من منظور شرعي وعلمي*

مقدمة

في السنوات الأخيرة، انتشرت ممارسات الطاقة وقوانين الجذب والوعي في المجتمعات العربية والإسلامية، وبرزت قصص وتجارب شخصية يدّعي أصحابها تحقيق نتائج مذهلة: شفاء من أمراض، تحقيق ثراء مفاجئ، أو تغييرات جذرية في الحياة. يتساءل كثيرون: هل نجاح هذه التجارب دليل على مشروعيتها وصحتها؟ وهل يمكن أن تكون النتائج الشخصية أساسًا للحكم الشرعي أو العلمي على هذه الممارسات؟

في هذا المقال، سنناقش هذه الإشكالية من عدة محاور، ونسعى لتوضيح الفارق بين التجربة الشخصية، والحكم الشرعي، والمعيار العلمي، مع أمثلة واقعية ونقاشات نقدية.

1.قصص النجاح في الطاقة: بين الواقع والوهم

كثيرًا ما نسمع عبارات مثل:- "طبقت قانون الجذب وحصلت على وظيفة."- "جربت جلسات الريكي أو الأكسس بارز وشفيت من مرض عجز عنه الطب."- "كتبت أهدافي وتحققت جميعها."- "غيرت خلفية جوالي بتوكيد معين، وانهالت علي الأموال."

هذه القصص تُستخدم كدليل على فاعلية الممارسات الطاقية أو قوانين الجذب، ويُنصح الآخرون بتجربة نفس "المدربين الصادقين" أو اتباع نفس الطقوس.

لكن، هل هذه النتائج الفردية تصلح أن تكون دليلاً على صحة المنهج أو مشروعية الوسيلة؟

2.هل النتائج دليل على المشروعية؟ سؤال شرعي

من منظور إسلامي، يُطرح سؤال جوهري:هل تُبنى الأحكام الشرعية على النتائج، أم أن النتائج تُبنى على الأحكام الشرعية؟

الإجابة واضحة في أصول الشريعة:-الحكم الشرعي يُبنى على الدليل من القرآن والسنة، وليس على النتائج.-الوسيلة يجب أن تكون مشروعة قبل النظر إلى نتيجتها.

قال النبي ﷺ:

"إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرّم عليكم.""تداووا ولا تداووا بحرام."

فحتى لو تحققت نتيجة إيجابية من وسيلة محرّمة (كالسحر أو البدع أو الاستعانة بالجن)، فهذا لا يجعلها جائزة شرعًا. بل قد يكون هذا من باب الاستدراج الإلهي أو التزيين الشيطاني.

3.هل التجربة الفردية دليل علمي؟

العلم التجريبي لا يقبل القصص الفردية أو النتائج غير المتكررة كدليل على صحة نظرية أو فعالية علاج.-العلم يشترط تكرار النتائج لدى الجميع بنفس الظروف والوسائل.-نجاح تجربة واحدة لا يعني أن الوسيلة فعالة علميًا.-قد تكون النتائج بسبب تأثير نفسي (بلاسيبو)، أو مصادفة، أو عوامل خارجية غير منظورة.

مثال توضيحي:لو جرب 100 شخص نفس "قانون الجذب" بنفس الخطوات، يجب أن يحصل الجميع على نفس النتائج لنقول أن القانون علمي. لكن الواقع أن النتائج تختلف، وبعضها لا يتحقق أصلًا، مما ينفي صفة العلمية عن هذه الممارسات.

4.الاستدراج والتزيين: لماذا تتحقق بعض النتائج؟

يشير القرآن الكريم إلى أن الشيطان يزين للناس بعض الأعمال ليوقعهم في الانحراف:

"وزيّن لهم الشيطان أعمالهم""وما يعدهم الشيطان إلا غرورًا"

وقد يكون تحقق بعض النتائج في البدايات (ما يسمى "شهر العسل" في ممارسة الطاقة) مجرد استدراج، ليزداد الشخص تعلقًا بالممارسة، ثم مع الوقت تبدأ الانتكاسات والمشاكل النفسية أو الأسرية أو الصحية.

والأخطر من ذلك، أن يكون الاستدراج من الله عز وجل، كما في قوله تعالى:

"سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين""فلما نسوا ما ذُكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون"

5.التجربة الشخصية ليست دليلاً شرعيًا ولا علميًا

من المهم الفصل بين التجربة الشخصية والدليل العلمي أو الشرعي:-النجاح الظاهري في أي تجربة لا يعني أن الوسيلة المستخدمة صحيحة أو مشروعة.-الدين والعلم يركّزان على مشروعية الوسيلة وصحتها، وليس فقط على النتيجة.-الاعتماد على القصص الفردية والشهادات الشخصية هو أساس الدعاية في مدارس الطاقة، وليس المنهج العلمي أو الدليل الشرعي.

6.ظاهرة البلاسيبو (Placebo Effect) والتأثير النفسي

كثير من حالات التحسن المؤقت في الصحة أو النفسية بعد جلسات الطاقة أو التوكيدات تعود إلى ظاهرة البلاسيبو:-البلاسيبو هو تحسن وهمي يحدث لأن الشخص يؤمن بفعالية العلاج، وليس لأن العلاج نفسه فعال.-العلم يميز بين الشفاء الحقيقي والشفاء الوهمي عبر تجارب منضبطة وقابلة للتكرار.

7.خطر الانزلاق التدريجي في الممارسات المحرمة

معظم من دخلوا عالم الطاقة والوعي بدأوا بتجارب بسيطة، ثم انزلقوا تدريجيًا إلى طقوس وبدع وشركيات أعمق، دون أن يشعروا.-الشيطان يبدأ بالتزيين، ثم الاستدراج، حتى يرسخ في القلب عقيدة باطلة.-تتحول الممارسة مع الوقت من تجربة إلى اعتقاد، ومن عادة إلى عقيدة.

8.فخ الربط بين النتائج والوسيلة

العقل البشري يميل إلى ربط الأحداث المتزامنة بسببية وهمية.- قد يتحقق لك رزق أو شفاء في نفس وقت ممارسة طقوس الطاقة، فتظن أن السبب هو الممارسة، بينما هو قدر مكتوب من الله.- لا يمكن لأي إنسان أن يفرّق بين ما هو قدر إلهي، وما هو استدراج شيطاني، وما هو نتيجة مباشرة للوسيلة.

9.حقيقة قصص النجاح في الطاقة: خدع وتسويق

تعتمد مدارس الطاقة على تسويق التجارب الفردية، أحيانًا عبر شهادات مفبركة أو قصص غير موثقة.-الكثير من "المدربين" يدّعون الثراء أو الشفاء، بينما واقعهم مختلف.-النجاح الفردي لا يعمم، وغالبًا ما يكون مدفوعًا بعوامل خارجية (قرض بنكي، علاج طبي، صدفة...).-حتى المدربين أنفسهم لا يحققون نتائج ثابتة، ولو كان "قانون الجذب" أو الطاقة علمًا حقيقيًا لكان جميع ممارسيه أثرياء وناجحين!

10.الحل: العودة للمنهج الشرعي والعلمي

• لا يجوز الاعتماد على النتائج الفردية في الحكم على الأمور الشرعية أو العلمية.
• الاعتماد والتوكل على الله والسعي بالأسباب المشروعة هو الأساس في حياة المسلم.
• أي ممارسة تعتمد على قوى غيبية أو طقوس وثنية أو أعداد وخلوات ليس لها أصل في الشريعة أو العلم، يجب الحذر منها وتركها.
• استشر أهل العلم والثقة، وابتعد عن الدجالين وأصحاب البدع.

خلاصة ونصائح عملية

• لا تجعل تجربتك الشخصية أو تجربة غيرك دليلًا على صحة أو مشروعية أي ممارسة.
• ابحث عن الدليل الشرعي والعلمي قبل الإقدام على أي ممارسة جديدة.
• احذر من الاستدراج والتزيين الشيطاني، خاصة في البدايات حيث تظهر النتائج السريعة.
• تذكر أن الشفاء والرزق بيد الله وحده، وأن الله لم يجعل شفاءنا فيما حرّم علينا.
• انتبه لظاهرة البلاسيبو، ولا تنخدع بالتحسن المؤقت أو النفسي.
• افصل بين التجربة الشخصية والحكم الشرعي أو العلمي، ولا تتبع القطيع دون تفكير ناقد.
• استشر أهل الذكر والعلماء الثقات في أي أمر يخص دينك وصحتك.

دعوة للنقاش والتعلم

إذا كان لديك تجربة أو سؤال حول موضوع الطاقة أو قوانين الجذب أو غيرها من الممارسات، شاركنا رأيك أو استفسارك في التعليقات أو في منتديات النقاش الموثوقة، حيث يتواجد مختصون وأهل علم يمكنهم مساعدتك في التمييز بين الحق والباطل.

وأخيرًا، تذكّر قول الله تعالى:

"وقالوا سمعنا وأطعنا""فلما نسوا ما ذُكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون"

حفظكم الله من كل شر، ووفقكم للحق والثبات عليه.