🔵 تأصيل : حزب البحر والولاية وحقيقة أحزاب المدرسة النورانية
في السنوات الأخيرة، انتشرت في الأوساط العربية والإسلامية العديد من المفاهيم والممارسات المرتبطة بما يُسمى بـ"المدرسة النورانية" وأحزابها، مثل حزب البح
تأصيل: حزب البحر والولاية وحقيقة أحزاب المدرسة النورانية
مقدمة
في السنوات الأخيرة، انتشرت في الأوساط العربية والإسلامية العديد من المفاهيم والممارسات المرتبطة بما يُسمى بـ"المدرسة النورانية" وأحزابها، مثل حزب البحر وحزب الولاية وغيرها. هذه الظاهرة أثارت جدلاً واسعاً، خاصة مع تزايد أعداد الشباب المنجذبين إلى هذه الطرق والممارسات التي تدّعي الروحانية والتقرب إلى الله بطرق مبتدعة. في هذا المقال، سنسلط الضوء على حقيقة هذه الأحزاب، جذورها، مخاطرها، وحكمها الشرعي، ونوضح كيف يمكن للمسلم أن يحمي نفسه من الوقوع في هذه الشبهات.
لماذا الحديث عن المدرسة النورانية وأحزابها؟
المدرسة النورانية ليست مجرد مجموعة من الأذكار أو الأدعية، بل هي منظومة فكرية وروحية دخلت إلى المجتمعات الإسلامية من بوابات الطاقة الهندوسية والديانات الشرقية، وتغلغلت تحت غطاء إسلامي مزيف. كثير من الشباب والفتيات وقعوا ضحية لهذه الممارسات بحسن نية، معتقدين أنها تقربهم إلى الله وتحقق لهم الراحة النفسية أو قضاء الحاجات.
لكن الحقيقة أن هذه الطرق تحمل في طياتها مفاهيم دخيلة، وتفتح أبواباً خطيرة للاستعانة بالجن والشياطين، وتؤدي إلى الابتداع في الدين والانحراف عن التوحيد الخالص.
ما هي "الأحزاب" في المدرسة النورانية؟
الأحزاب هنا ليست جماعات سياسية، بل نصوص طويلة تُسمى "أحزاب" أو "أوراد" يُطلب من المريد تلاوتها بعدد معين وفي أوقات محددة، مع شروط خاصة مثل العزلة (الخلوة)، استخدام أنواع معينة من البخور أو الأحجار الكريمة، وأحياناً الصيام الروحي. من أشهر هذه الأحزاب: حزب البحر، حزب الولاية، حزب البسملة، وغيرها.
هذه الأحزاب ليست أدعية مأثورة، بل نصوص مركبة مليئة بأسماء غريبة، وأحياناً تتضمن استحضار "خدام" أو "ملوك" من الجن، ويُزعم أن لهم قدرات روحية تساعد المريد في تحقيق رغباته أو حمايته.
كيف يتم استدراج الناس لهذه الأحزاب؟
- الادعاء بأنها أدعية مجربة: يُقال للناس إن هذه الأحزاب مجربة ونافعة، حتى وإن لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- ربطها بقضاء الحاجات وفك الكرب: يُوهم المريد أن تلاوة الحزب بعدد معين وفي خلوة خاصة سيحقق له ما يريد.
- إدخال مفاهيم الطاقة والهندوسية: يُربط الحزب بممارسات شرقية كالصيام الروحي، البخور، الأحجار الكريمة، وغيرها.
- الاستدراج التدريجي: يبدأ الأمر بدعاء ثم يتحول إلى خلوة، ثم إلى ترديد أسماء غريبة، ثم إلى طلب أشياء مادية (بخور، أحجار)، حتى يجد الإنسان نفسه في مستنقع الشعوذة دون أن يشعر.
حقيقة "الخدام" و"الملوك" في هذه الأحزاب
من أخطر ما في هذه الأحزاب هو الاعتقاد بوجود خدام أو ملوك من الجن "النورانيين" الذين يُقال إنهم يساعدون المريدين في طريقهم الروحي. ويُزعم أن هذه الكائنات هابطة من عالم النور، وأنها تتعاون مع أولياء الله وأقطاب المدرسة.
الحقيقة الشرعية أن الاستعانة بالجن، حتى لو ادعى أحدهم أنهم "مسلمون"، باب خطير يؤدي إلى الشرك بالله، ويفتح على الإنسان أبواب الوساوس والضلالات. فكيف يمكن للإنسان أن يميز بين الجن المؤمن والكافر؟ الجن يتشكل ويكذب، ولا يمكن الوثوق بأي تواصل معهم.
شروط وممارسات خطيرة
- الخلوة: يُطلب من المريد أن يعتزل الناس لأيام أو أسابيع، يردد الحزب بعدد محدد، مع طقوس خاصة.
- البخور والأحجار: لكل حزب نوع خاص من البخور والأحجار الكريمة، يقال إنها تجذب الخدام والملوك.
- الأعداد: تكرار الحزب بعدد معين (مثلاً 313، 1100، وغيرها)، وهذه الأعداد غالباً لها جذور في السحر الهندوسي أو القبالي.
- النية: يُطلب من المريد استحضار نية معينة قبل الدخول في الخلوة، ويُزعم أن النية تفتح له "بوابات روحية".
المخاطر النفسية والروحية لهذه الممارسات
- العزلة والوساوس: الدخول في الخلوات يؤدي إلى عزلة تامة، وساوس، وأحياناً هلاوس سمعية أو بصرية.
- الانفصال عن المجتمع: يشعر المريد بتفرده الروحي، ويبدأ بالانفصال عن المجتمع والأسرة.
- الغرور الروحي: يظن أنه يمتلك قوى خاصة أو بصيرة لا يملكها غيره.
- الفتور في العبادة: يقل توكله على الله، ويبدأ بالاعتماد على الخدام والجن.
- التحول إلى منجم أو كاهن: بعد فترة، يبدأ المريد يدّعي معرفة الغيب أو قراءة ما في قلوب الناس.
- خطر المس الشيطاني: بسبب الاعتداء على عالم الجن، قد يتعرض الإنسان للمس أو الأذى الروحي.
الحكم الشرعي في الاستعانة بالجن والأحزاب النورانية
أجمع العلماء على أن الاستعانة بالجن، حتى لو ادعى أحدهم أنهم مسلمون، لا تجوز شرعاً. النبي صلى الله عليه وسلم لم يستعن بالجن في حياته، ولا الصحابة من بعده. الاستعانة بالجن، أو ترديد أدعية بدعية بعدد معين أو في خلوة خاصة، هو من أبواب الابتداع في الدين، وقد يؤدي إلى الشرك بالله.
قال الله تعالى:
"قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون" (الأعراف: 33)
كل دعاء أو عبادة لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم أو في القرآن الكريم، فهي مردودة على صاحبها، كما قال صلى الله عليه وسلم:
"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".
لماذا لا يُقبل التذرع بـ"التجربة" أو "النية الطيبة"؟
كثير من الناس يظنون أن التجربة الشخصية أو النية الطيبة تبرر لهم ترديد هذه الأحزاب أو الدخول في الخلوات. لكن في الدين، العبادات توقيفية، أي لا يجوز فعل شيء في الدين إلا بدليل من الكتاب أو السنة. التجربة ليست دليلاً شرعياً، والنية الطيبة لا تبرر الابتداع.
كيف يكون الدعاء المشروع؟
الدعاء من أعظم العبادات، والله سبحانه وتعالى فتح لنا أبوابه بلا وسيط ولا خلوة ولا أعداد ولا بخور.قال تعالى:
"وقال ربكم ادعوني أستجب لكم" (غافر: 60)
الدعاء المشروع هو ما ورد في القرآن والسنة، أو أي دعاء مباح لا يتضمن محظوراً شرعياً، دون تقييده بعدد أو كيفية لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الأعداد في الذكر والدعاء: متى تكون مشروعة؟
- الأذكار المقيدة: ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بعدد أو وقت معين (مثل أذكار الصباح والمساء، أو التسبيح بعد الصلاة).
- الأذكار المطلقة: ما لم يرد فيه تقييد بعدد أو وقت، فيقال بأي عدد وأي وقت دون تحديد.
- الابتداع في الأعداد: تحديد عدد معين لم يرد في الشرع (مثل 313 أو 1100) بدعة لا أصل لها، وقد يكون لها جذور في السحر والشعوذة.
خلاصة ونصائح عملية
- احذر من أي دعوة لأحزاب أو أوراد أو خلوات لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، خاصة إذا تضمنت شروطاً غريبة أو أسماء غير مألوفة أو طقوساً دخيلة.
- لا تستعن بالجن أو تدعي وجود خدام أو ملوك روحيين، فهذا باب خطير يؤدي إلى الشرك والضلال.
- الدعاء عبادة عظيمة، فادع الله بما شئت من خير، دون تقييد بعدد أو كيفية مبتدعة.
- تمسك بالكتاب والسنة، واستفتِ العلماء الثقات فيما أشكل عليك من أمور الدين.
- احذر من القصص والتجارب الشخصية التي تُروى لتبرير البدع، فالدين يُؤخذ من الدليل لا من القصص.
- حافظ على توحيدك ونقاء عقيدتك، ولا تجعل بينك وبين الله وسيطاً من جن أو بشر أو طقوس دخيلة.
خاتمة
إن أخطر ما في هذه الأحزاب والمدارس النورانية هو أنها تلبس ثوب الدين وتخدع الناس بحسن النية، بينما هي في حقيقتها طرق مبتدعة، أصلها من السحر والشعوذة، وتؤدي إلى الانحراف عن التوحيد الخالص.فلنحذر جميعاً من هذه الشبهات، ولنحمد الله على نعمة الإسلام والسنة، ولنجعل شعارنا دائماً:"سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير".
مصادر موثوقة للذكر والدعاء
- حصن المسلم(كتاب صغير يجمع الأذكار الصحيحة)
- رياض الصالحين(للإمام النووي)
- كتب الأذكار والأدعية الصحيحة
- استشارة العلماء الثقات وأهل السنة والجماعة
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.