🔵 تأصيل : الأكاشا ( السجلات الأكاشية )
في السنوات الأخيرة، انتشرت بين الشباب والمهتمين بمجالات الطاقة واليوغا مفاهيم غامضة مثل "الطاقة الكونية"، "الشاكرات"، و"السجلات الأكاشية". كثيرون ينجذ
الأكاشا (السجلات الأكاشية): كشف الأسرار بين الأسطورة والحقيقة
مقدمة
في السنوات الأخيرة، انتشرت بين الشباب والمهتمين بمجالات الطاقة واليوغا مفاهيم غامضة مثل "الطاقة الكونية"، "الشاكرات"، و"السجلات الأكاشية". كثيرون ينجذبون لهذه المصطلحات دون معرفة أصولها الحقيقية أو خلفياتها الدينية والفكرية. في هذا المقال، سنكشف الستار عن مفهوم الأكاشا أو السجلات الأكاشية، ونوضح جذورها في العقائد الشرقية، خصوصًا الهندوسية والبوذية، وكيفية تسللها إلى بعض الممارسات الحديثة تحت مسميات الطاقة والتنمية الذاتية.
ما هي الأكاشا (السجلات الأكاشية)؟
الأكاشا، أو السجلات الأكاشية، هي مفهوم ديني وفلسفي قديم نشأ في الهندوسية، ثم انتقل إلى البوذية وبعض التيارات الغربية الحديثة مثل الثيوصوفية. يُعتقد أن الأكاشا تمثل "ذاكرة كونية" أو "مكتبة سماوية" تحتوي على جميع أحداث الكون، وأسرار الخلق، ومصائر البشر، وكل ما حدث وما سيحدث.
في النصوص الهندوسية، يُقال إن براهمان (الإله الأعلى في الهندوسية) هو من كتب هذه السجلات، وأنها محفوظة في مكان سري لا يصل إليه إلا "المستنيرون" أو "الحكماء". أما في البوذية الحديثة، فقد أصبح يُنظر للأكاشا على أنها "الطاقة الحيوية" أو "الذاكرة الكونية" التي يمكن لبعض الأشخاص ذوي القدرات الروحية العالية الوصول إليها.
الأكاشا بين الأسطورة والممارسة
1.الجذور الهندوسية والبوذية
تؤمن العقائد الهندوسية أن الأكاشا هي العنصر الخامس من عناصر الكون (الأثير)، وأنها مصدر كل شيء. بحسب النصوص القديمة مثل الفيدات والرامايانا، فإن براهمان بعد أن خلق المادة أمرها بأن تنقسم وتتحول إلى مصدر الأشياء والكائنات، ثم خلق الأكاشا وجعل عليها حراسًا من الآلهة مثل فيشنو وشيفا.
في البوذية، يُنظر للأكاشا كمصدر للطاقة والحياة، وهي التي تنقل أسرار الكون عبر الأثير. ويُعتقد أن الوصول إليها يتطلب حالة من "الاستنارة" أو "التحرر الكامل من المادة والشهوة والوهم".
2.انتقال المفهوم إلى الغرب
في القرن التاسع عشر، انتقل مفهوم الأكاشا إلى الغرب عن طريق حركة الثيوصوفية، وهي تيار فلسفي باطني أسسته مدام بلافاتسكي. زعمت بلافاتسكي أنها سافرت إلى التبت وتعلمت هناك عن الأكاشا من حكماء البوذا، وأنها استطاعت الاطلاع على السجلات الأكاشية ورؤية أحداث الماضي والحاضر والمستقبل.
منذ ذلك الحين، أصبح مفهوم الأكاشا جزءًا من أدبيات العرافة والتنجيم في الغرب، وأصبح يُستخدم لتبرير ممارسات مثل قراءة الهالة، التحضير الروحي، وحتى بعض أنواع العلاج بالطاقة.
3.الأكاشا في مدارس الطاقة الحديثة
اليوم، نجد أن العديد من مدربي الطاقة واليوغا يتحدثون عن "سجلات الأكاشا" أو "الطاقة الكونية" دون الإشارة إلى جذورها الوثنية أو الباطنية. يُروج لهذه المفاهيم تحت عناوين مثل "تطوير الذات"، "فتح الشاكرات"، "التأمل العميق"، و"الوعي الكوني". وغالبًا ما تُربط هذه المفاهيم بمصطلحات علمية زائفة مثل "الذبذبات"، "الترددات الكونية"، و"الرقم الطاقي".
كيف يتم الترويج للأكاشا؟
- الاستعانة بالرموز والأرقام: يطلب بعض المدربين من المتدربين تزويدهم بتاريخ الميلاد أو الاسم الكامل، بحجة حساب "الرقم الطاقي" أو "البصمة الكونية"، زاعمين أن ذلك يتيح لهم الوصول إلى السجلات الأكاشية الخاصة بكل شخص.
- الطقوس والتأملات: يُشجع الممارسون على أداء طقوس معينة، مثل التأمل أمام القمر، استخدام الأحجار الكريمة، أو ممارسة اليوغا بوضعيات محددة، بزعم أن ذلك يفتح لهم بوابات الأكاشا.
- التلاعب بالمصطلحات: يتعمد المروجون إخفاء الأصول الدينية لهذه الممارسات، ويستبدلونها بمصطلحات عصرية أو علمية زائفة لجذب أكبر عدد من الناس، خاصة المسلمين الذين قد ينفرون من المصطلحات الوثنية.
أقسام السجلات الأكاشية كما يزعمون
يُقال إن السجلات الأكاشية تتكون من عدة أقسام، منها:1.أحداث العالم: كل ما حدث وسيحدث في الكون.2.السجل الشخصي (DNA): معلومات وأسرار عن كل شخص.3.السجلات الكونية: أسرار الوجود والطاقة.4.سجلات النور: للمستنيرين فقط.5.سجلات الظلام: أسرار الشر.6.سجلات النعم: الخير الذي لم يُكتب بعد.7.سجلات الهدى: العلم والمعرفة.8.سيلات الزمن: تدفق الأحداث عبر الزمن.9.السجلات الاجتماعية: علاقات البشر.10.سجلات النجوم والشفاء: أسرار الشفاء والتنجيم.
علاقة الأكاشا بالسحر والعرافة
تؤكد النصوص الهندوسية والبوذية القديمة، وكذلك تعاليم الثيوصوفية، أن الوصول للأكاشا يتطلب طقوسًا خاصة، غالبًا ما ترتبط بالسحر الأسود والعرافة والتنجيم. يُقال إن هناك "حراسًا" على الأكاشا، مثل "بيبرا" (ملك الأكاشا)، لا يسمحون لأي شخص بالدخول إلا بعد أداء طقوس معينة، غالبًا ما تتضمن تقديم القرابين أو ممارسة التأملات العميقة.
كذلك، يُعتقد أن العرافين والمنجمين لا يمكنهم التنبؤ بالمستقبل إلا عبر "السفر عبر الزمن الأكاشي" ومطالعة السجلات الأكاشية.
الأكاشا والوعي الكوني: خدعة العصر الجديد
من أخطر ما يُروج له اليوم هو ربط الأكاشا بفكرة "الوعي الكوني" أو "درجات الوعي". يُقال إن الإنسان يجب أن يرتقي في درجات الوعي حتى يصل إلى الدرجة الخامسة عشرة، عندها فقط يمكنه الوصول إلى السجلات الأكاشية. في الحقيقة، هذه المفاهيم ليست سوى إعادة تدوير لفلسفات باطنية قديمة، تهدف إلى إبعاد الإنسان عن دينه الصحيح، وإدخاله في دوامة من الشعوذة والوهم.
الأكاشا في الممارسات اليومية
- فتح الشاكرات: يُقال إن التأملات الطويلة و"فتح الشاكرات" تقود إلى الاتصال بالأكاشا.
- العناصر الخمسة: يُطلب من الممارسين الإحاطة بعناصر الطبيعة (تراب، ماء، هواء، نار، أثير) للوصول إلى الأكاشا.
- الترددات الصوتية: تُستخدم موسيقى وترددات خاصة بحجة "ضبط الذبذبات" مع الأكاشا.
- الرقم الطاقي: يُزعم أن لكل شخص رقمًا طاقيًا يحدد إمكانية وصوله للأكاشا.
الأكاشا والإسقاط النجمي
من أشهر الطرق التي يُقال إنها تتيح الوصول للسجلات الأكاشية هي "الإسقاط النجمي"، أي خروج الروح من الجسد والسفر عبر الأبعاد للوصول إلى الأكاشا. في الحقيقة، هذه الممارسات ليست سوى طقوس سحرية قديمة، تعتمد على استحضار الأرواح والشياطين، ولا علاقة لها بأي علم حقيقي.
الأكاشا في الفكر الإسلامي
من المهم التنبيه إلى أن مفهوم الأكاشا لا يمت بأي صلة لعقيدة المسلمين أو لمفهوم "اللوح المحفوظ" في الإسلام. اللوح المحفوظ هو علم الله المطلق، ولا يطلع عليه أحد إلا بإذنه. أما الأكاشا، فهي أسطورة وثنية باطنية، تهدف إلى إضفاء طابع روحي زائف على ممارسات السحر والشعوذة.
الخلاصة: كيف نحمي أنفسنا؟
- العودة للثوابت: يجب على المسلم أن يعود إلى عقيدته الصحيحة، ويبتعد عن كل ما يخالفها من فلسفات باطنية وممارسات مشبوهة.
- التفريق بين العلم والوهم: ليس كل ما يُروج له تحت مسمى "الطاقة" أو "الوعي" علمًا حقيقيًا. كثير من هذه المفاهيم ما هي إلا أوهام وخرافات.
- الحذر من التلاعب بالمصطلحات: على الإنسان أن يكون واعيًا لمحاولات التلاعب بالمصطلحات الدينية والعلمية، وألا ينجرف وراء كل جديد دون تمحيص.
- الاستشارة عند الشك: إذا واجهت أي فكرة أو ممارسة غريبة، استشر أهل العلم الموثوقين قبل الانخراط فيها.
كلمة أخيرة
إن السجلات الأكاشية ليست إلا إحدى حلقات سلسلة طويلة من المفاهيم الباطنية التي تهدف إلى إبعاد الإنسان عن دينه الصحيح، وإدخاله في متاهات من الوهم والشعوذة. فليكن شعارنا دائمًا: "العلم نور، ونور الله لا يُعطى لعاصٍ".