🔵 تأصيل : وحدة الوجود كيف يزرعونها بعقول الممارسين
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من الممارسات الروحانية والفلسفات الشرقية مثل اليوغا، التأمل، ومدارس الطاقة والوعي، لتصبح جزءًا من ثقافة التنمية الذا
وحدة الوجود: كيف تُزرع هذه الفلسفة في عقول الممارسين؟
مقدمة
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من الممارسات الروحانية والفلسفات الشرقية مثل اليوغا، التأمل، ومدارس الطاقة والوعي، لتصبح جزءًا من ثقافة التنمية الذاتية والعلاج البديل. من بين المفاهيم الجوهرية التي تتسلل إلى هذه الممارسات مفهوم "وحدة الوجود". فما هي وحدة الوجود؟ وكيف يتم غرسها في عقول الممارسين؟ وما خطورتها من الناحية الفكرية والعقدية؟ هذا المقال يسلط الضوء على هذا المفهوم، جذوره، طرق تمريره، وخطورته، مع بيان الموقف الإسلامي منه.
ما هي وحدة الوجود؟
وحدة الوجود، أو "الاتحادية"، هي مذهب فلسفي يرى أن الله والطبيعة حقيقة واحدة، وأن الله هو الوجود المطلق، وأن جميع المظاهر المادية في الكون ليست إلا تجليات لهذا الوجود الإلهي، ولا وجود لها بذاتها. أي أن كل ما في الكون – الإنسان، الشجر، الحجر، وحتى الأفكار والمشاعر – هو في الحقيقة الله أو جزء منه، والعياذ بالله.
هذا المفهوم ليس جديدًا، بل له جذور في بعض الفلسفات القديمة كالهندوسية والبوذية، وتأثر به بعض غلاة الصوفية مثل ابن عربي والحلاج وغيرهم، كما تسلل إلى فلسفات العصر الجديد (New Age) ومدارس الطاقة والوعي المنتشرة اليوم.
كيف تتسلل وحدة الوجود إلى الممارسات الحديثة؟
1.اليوغا وفلسفة الأتمان والبراهمان
في فلسفة اليوغا، خاصة في مدارس مثل الراجا يوغا والكوندليني يوغا، يُروَّج لفكرة أن الإنسان (الأتمان) يجب أن يتحد مع الروح الكونية العليا (البراهمان)، أي الذوبان في المصدر الإلهي. تمارس اليوغا لتذويب "الأنا الفردية" والوصول إلى حالة الاتحاد الكلي مع "المطلق"، وهو عين مفهوم وحدة الوجود.
2.التأمل (Meditation) والذوبان في الفراغ
في بعض مدارس التأمل، يُعلَّم الممارسون أن الهدف هو بلوغ "الفراغ" أو "العدم" أو "الوعي الخالص"، حيث تذوب الذات وتختفي الثنائيات (خالق/مخلوق، خير/شر، حلال/حرام). هذا الذوبان الفكري والعقلي يفتح الباب لفكرة أن الإنسان والكون والإله شيء واحد.
3.مدارس الطاقة والوعي
في مدارس مثل الريكي، الثيتا هيلينغ، البرانا هيلينغ، وغيرها، يُروَّج لفكرة أن الإنسان "وسيط للإله" أو أن "الخالق بداخلك"، وأنك تستطيع "خلق واقعك" عبر الاتصال بالطاقة الكونية أو "نور الخالق". كل هذه العبارات تؤسس تدريجيًا لفكرة وحدة الوجود.
4.شجرة الحياة والقبالة
شجرة الحياة (Tree of Life) في الفلسفة القبالية اليهودية، والتي انتشرت في مدارس الوعي والطاقة، تقوم على فكرة أن الإله يتجلى في كل شيء عبر مراتب الوجود، وأن الهدف هو الصعود عبر الشجرة للعودة إلى "الأصل الإلهي"، أي الاتحاد والحلول.
5.قوانين العصر الجديد: الجذب، التجلي، الانعكاس
- قانون الجذب: "أنت تجذب ما يشبهك لأنك والكون واحد".
- قانون التجلي: "ما تؤمن به يتجلى في واقعك، أنت من تخلق واقعك".
- قانون الانعكاس: "الواقع الخارجي انعكاس لداخلك".
- قانون الوحدة: "كلنا متصلون في حقل طاقة موحدة".
كل هذه القوانين، عند التأمل فيها، تروج لفكرة أن الإنسان ليس مخلوقًا ضعيفًا، بل هو جزء من الإله أو الإله نفسه، والعياذ بالله.
مراحل زرع فكرة وحدة الوجود في عقول الممارسين
يتم تمرير هذه الفلسفة عبر أربع مراحل أساسية:
1.تكرار المفردات والعبارات
يتم تكرار عبارات مثل: "الله بداخلك"، "أنت نور من نور الله"، "الاتصال بالخالق"، "كل شيء طاقة"، "الله طاقة"، "أنت مرآة الله في الأرض"، وغيرها، في الدورات، الكورسات، والمنشورات.
2.اللغة الإيحائية والجمعية
يُستخدم الضمير الجمعي: "نحن والكون واحد"، "كلنا متصلون بنور الخالق"، "كل شيء فينا انعكاس للإله". هذا يعزز الولاء للفكرة والانتماء للمجموعة ويضعف مقاومة الفرد.
3.التدرج في الإقناع
يبدأ المدربون بالحديث عن الروحانية، الطاقة الداخلية، الهالة، ثم ينتقلون تدريجيًا إلى رفع الوعي وتوسيع الإدراك، حتى يصل الممارس إلى قناعة أنه أكثر من مجرد جسد، وأنه يستطيع التأثير في الكون و"خلق" واقعه.
4.إعلان وحدة الوجود صراحة
في المرحلة الأخيرة، يُقال للممارس: "أنت الإله"، "لا توجد خطيئة بل تجربة"، "كل ما تراه هو الله"، "الرب يتجلى من خلالك"، "نحن لسنا بحاجة إلى وسيط مع الخالق"، وغيرها من العبارات التي تعلن وحدة الوجود بشكل صريح.
أسلمة المفاهيم وتمريرها للمسلمين
للأسف، يتم "أسلمة" هذه المفاهيم عبر:
- ربطها بآيات أو أحاديث بشكل مغلوط، مثل: "الله أقرب إلينا من حبل الوريد" لتبرير الحلول.
- تكرار اسماء الله الحسنى وربطها بالشاكرات أو أعضاء الجسد بزعم التداوي أو تحقيق الأهداف.
- استخدام عبارات مثل: "نفخت فيه من روحي" أو "كن فيكون" لإيهام الممارس بأن له قدرات إلهية.
كل ذلك تمويه خطير يهدف إلى تمرير فكرة وحدة الوجود تحت شعارات التنمية الذاتية أو الشفاء أو الطاقة أو الوعي.
خطورة وحدة الوجود
- إلغاء التوحيد: وحدة الوجود تلغي التمييز بين الخالق والمخلوق، وتفرغ العقيدة من التوحيد الخالص.
- إشاعة الشرك: تجعل الإنسان في موضع الألوهية، وتدخل الممارس تدريجيًا إلى الشرك الأكبر دون أن يشعر.
- نفي صفات الله: تنفي صفات الله كالحكم والعدل والجزاء والعقاب، وتصور الله كطاقة مبهمة أو قوة كونية.
- تاليه الطبيعة والكون: تُؤلّه الكون والطبيعة وتجعلهما مصدرًا للخلق والتأثير.
الرد الإسلامي الشرعي
- الله سبحانه وتعالى فوق عرشه، بائن من خلقه، لا يحل في المخلوقات ولا يسكنها.
- الإنسان مخلوق مكرم، لا يحمل من الإله شيئًا، و"نفخت فيه من روحي" تشريف وليس تجسيدًا.
- أسماء الله توقيفية، لا تستخدم كذبذبات ولا ترتبط بالشاكرات أو أعضاء الجسد.
- الدعاء عبادة، وليس وسيلة لتجلي الذات أو خلق الواقع.
- كل من قال بوحدة الوجود أو أن الله هو عين الوجود أو أن الله حل في خلقه فهو كافر، كما نص على ذلك كبار العلماء (ابن تيمية، ابن القيم، الطحاوي، ابن عثيمين، صالح الفوزان وغيرهم).
- قانون الجذب والتجلي والانعكاسإذا اعتُقد استقلالها عن الله أو نسبت صفات الخلق للمخلوق فهي شرك أكبر.
- الكون مخلوق مسخّر، لا يملك وعيًا ولا إرادة ولا استجابة ذاتية.
كيف نحمي أنفسنا وأبناءنا؟
- الوعي بخطورة هذه المفاهيموعدم الانخداع بالشعارات البراقة مثل الطاقة، الوعي، الشفاء، الحب، الامتنان.
- الرجوع للعلماء الثقاتفي كل ما يتعلق بالعقيدة والفلسفات الوافدة.
- التمسك بالتوحيد الخالص، ومعرفة أن الله وحده الخالق المدبر، وأن الإنسان عبدٌ لله، مكرمٌ بالتكليف لا بالتأليه.
خاتمة
وحدة الوجود ليست مجرد فكرة فلسفية، بل مشروع عالمي يهدف إلى إلغاء الألوهية الواحدة لله وتحقيق وحدة كل شيء، وتمرير الشرك الأكبر تحت شعارات براقة. واجبنا كمسلمين أن نكون على وعي بهذه المخاطر، وأن نثبت على العقيدة الصافية، ونعلم أبناءنا حقيقة التوحيد ونعصمهم من هذه الفلسفات الدخيلة.
نسأل الله لنا ولكم الثبات على التوحيد، وأن يحفظ ديننا وعقيدتنا من كل زيغ وضلال.