اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك

توأم الشعلة: حقيقة أم وهم؟ نظرة شاملة من منظور ديني ونفسي

في السنوات الأخيرة، انتشر في مجتمعاتنا العربية مصطلح "توأم الشعلة" بشكل واسع، خاصة بين الفتيات والشباب الباحثين عن علاقات عاطفية وروحانية. ظهر هذا الم

س
سحر اليوقا و الطاقة
مايو 12, 2025
6 دقائق

في السنوات الأخيرة، انتشر في مجتمعاتنا العربية مصطلح "توأم الشعلة" بشكل واسع، خاصة بين الفتيات والشباب الباحثين عن علاقات عاطفية وروحانية. ظهر هذا المفهوم في دورات التنمية الذاتية وورش الطاقة، وارتبط بمصطلحات مثل "الطاقة الإيجابية" و"الاتحاد الروحي" و"الارتقاء الروحي". لكن ما حقيقة هذا المفهوم؟ وما هي جذوره؟ وهل هو بالفعل طريق للسعادة والتطور، أم أنه مجرد وهم قد يقود إلى أضرار نفسية ودينية واجتماعية؟

في هذا المقال، سنسلط الضوء على مفهوم توأم الشعلة من عدة جوانب: تعريفه وأصوله، مدى توافقه مع العقيدة الإسلامية، آثاره النفسية والاجتماعية، وكيفية التعامل مع هذا النوع من الأفكار المنتشرة.

ما هو توأم الشعلة؟

توأم الشعلة هو مصطلح مستورد من الفلسفات الشرقية، خصوصًا من الهندوسية والبوذية. في الأصل، يشير إلى فكرة وجود "روح منقسمة" إلى نصفين، كل نصف يعيش في جسد مختلف، وعندما يلتقيان يحدث اتحاد روحي عميق يُعتقد أنه يحقق الكمال الروحي للطرفين. يروج البعض أن هذه العلاقة نادرة جدًا، وتتميز بانجذاب شديد، وتخاطر روحي، وتحديات نفسية كبيرة.

في الدورات المنتشرة، يتم ربط هذا المفهوم بمصطلحات الطاقة، الكارما، التناسخ، وطقوس مثل اليوغا والتأمل، ويُزعم أن العلاقة بتوأم الشعلة هي وسيلة للارتقاء الروحي والتشافي من جروح الماضي.

توأم الشعلة في ضوء العقيدة الإسلامية

أجمع المشاركون في النقاش على أن مفهوم توأم الشعلة لا أصل له في الإسلام، بل يتعارض مع العقيدة بشكل صريح. إذ أن فكرة الاتحاد الروحي أو الكمال عبر طرف آخر، أو ربط العلاقة الجنسية بالارتقاء الروحي، كلها أفكار دخيلة على الدين الإسلامي.

بل إن بعض المروجين لهذا المفهوم يقتبسون آيات قرآنية مثل:

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21]

ويحاولون إسقاطها على علاقة توأم الشعلة، مع أن سياق الآية واضح في الحديث عن الزواج الشرعي، وليس عن علاقات غامضة أو طقوس وثنية.

كما أن الكثير من هذه الدورات تروج لممارسات محرمة أو تفتح باب التخيلات الجنسية والتواصل غير الشرعي، وهو ما حذر منه النبي ﷺ في الحديث:

"كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة؛ فالعينان زناهما النظر..." (رواه البخاري ومسلم).

الجانب النفسي لعلاقة توأم الشعلة

من الناحية النفسية، تناولت بعض المشاركات أن ما يسمى بعلاقة توأم الشعلة هو في الحقيقة نوع من "التعلق المرضي" أو "العلاقة السامة". حيث يعيش أحد الطرفين (غالبًا الفتاة) حالة من التعلق الشديد، التفكير المستمر بالطرف الآخر، الشعور بالألم النفسي، الرفض المتكرر، والانجذاب غير المبرر.

هذه الحالة قد تستمر سنوات وتؤدي إلى معاناة نفسية شديدة، أحيانًا تصل إلى الاكتئاب أو حتى التفكير في إنهاء الحياة. وبعد الانفصال التام، يبدأ الشخص غالبًا رحلة العودة إلى الله، ويكتشف أن الراحة الحقيقية في القرب من الله وليس في التعلق بشخص آخر.

علم النفس يفسر هذه العلاقات بأنها بين نمطين من أنماط التعلق غير الآمن: "المتعلق" و"المتجنب"، وغالبًا ما يكون الحل عبر العلاج النفسي والسلوكي وليس عبر طقوس الطاقة أو الدورات الوهمية.

خداع الدورات والتنمية الذاتية

حذر المتحدثون من انتشار ما يسمى بـ"مدربي الحياة" (Life Coach) أو "مدربي الطاقة" الذين يقدمون أنفسهم كمختصين في العلاقات أو التشافي، رغم أن معظمهم ليس لديهم أي تأهيل أكاديمي حقيقي، بل يحصلون على شهادات عبر دورات قصيرة مدفوعة. هؤلاء يستغلون حاجات الناس العاطفية والنفسية، ويبيعون لهم الأوهام تحت شعارات براقة مثل "توأم الشعلة"، "الطاقة الإيجابية"، "تنظيف الطاقات"، وغيرها.

كما أشاروا إلى أن بعض هذه الدورات تبدأ بمواضيع تبدو بريئة مثل النجاح الدراسي أو تربية الأبناء، ثم يتم استدراج المشاركين تدريجيًا إلى دورات الطاقة، التخاطر، التواصل مع الكينونات، وغيرها من الممارسات المشبوهة.

لماذا يقع الكثيرون في فخ توأم الشعلة؟

هناك عدة أسباب تدفع البعض للانجذاب لهذا المفهوم:

  • الحاجة العاطفية: خاصة لدى الفتيات الباحثات عن شريك حياة أو من يعوضهن عن نقص عاطفي.
  • الفضول والطمع: الرغبة في تجربة شيء جديد أو تحقيق طموحات بسرعة.
  • الفراغ الروحي وضعف الوعي الديني: ما يجعل الشخص يبحث عن بدائل وهمية للسكينة والطمأنينة.
  • التسويق الذكي: حيث يتم تغليف هذه الأفكار بعبارات دينية أو علمية زائفة، مما يعطيها مصداقية زائفة.

نصائح عملية للتعامل مع هذه الظواهر

  • الرجوع إلى المصادر الموثوقة: ابحث عن أصل أي مصطلح أو ممارسة قبل الانخراط فيها، ولا تكتفِ بما يقال في الدورات أو وسائل التواصل.
  • استشر أهل العلم والدين: إذا كان لديك شك في أمر ما، اسأل العلماء أو المختصين الشرعيين.
  • الوعي النفسي: إذا كنت تعاني من علاقة تعلق مرضي أو ألم نفسي، توجه إلى مختص نفسي معتمد، وليس إلى مدرب طاقة أو لايف كوتش.
  • احذر من الشهادات الوهمية: ليس كل من يحمل لقب "مدرب" أو "دكتور" هو فعلاً مختص. تحقق من مؤهلاته الأكاديمية.
  • لا تتأثر بالزخرفة الكلامية: العبارات البراقة لا تعني صحة الفكرة. ركز على الحقائق والمنطق.
  • ادعم من حولك: إذا عرفت شخصًا وقع في هذه الدوامة، ساعده بلطف، ووجهه للطرق الصحيحة دون تعنيف أو تجريح.

كلمة أخيرة

إن ظاهرة توأم الشعلة وغيرها من مفاهيم الطاقة ليست سوى أوهام مستوردة، قد تسبب دمارًا نفسيًا ودينيًا واجتماعيًا، خاصة للفتيات والشباب. السعادة الحقيقية ليست في انتظار شخص خيالي أو ممارسة طقوس غامضة، بل في القرب من الله، وبناء علاقات صحية مبنية على أسس شرعية ونفسية سليمة.

لا تسمح لأي شخص أن يبيعك الوهم أو يستغل حاجتك. ابحث عن الحقيقة، ثقف نفسك، وكن واعيًا لما يدور حولك. وتذكر أن كل ابتلاء أو ألم هو فرصة للعودة إلى الله، وليس للانجراف وراء أفكار دخيلة لا أصل لها.

حفظ الله أبناءنا وبناتنا من كل سوء، ووفقنا جميعًا للخير والصواب.

بقلم: فريق التوعية والتثقيف

لأي استفسار أو دعم، لا تتردد في التواصل مع المختصين الموثوقين في المجال الديني أو النفسي.

https://www.youtube.com/watch?v=kcZL9UugpwY

اسأل أبو فيصل

تحدث مع أبو فيصل واحصل على إجابات لأسئلتك